مِنَ السَّمَاءِ)، دخل " ما فوق " بذكر ما بين أيديهم، ودخل " ما تحت " بذكر ما خلفهم؛ فعلى ذلك هذا يدخل " ما تحت " و " ما فوق " بذكر ما ذكر؛ فيصير كأنه قال: فيأتيكم من كل وجه.
ويحتمل أنه لم يذكر هذا؛ لما أنه لا سلطان له على منع الأرزاق والبركات؛ لأن أرزاق الخلق والبركات مما ينزل من السماء من المطر، ويخرج من الأرض من النبات؛ فليس له سلطان يمنع إنزال المطر وإخراج النبات من الأرض، وله سلطان على غير ذلك.
أو يكون لما يشغلهم ويشهيهم من بين أيديهم ومن خلفهم، وعن أيمانهم وعن شمائلهم من اللذات والشهوات لما إذا رأى أشياء أعجبته أتبع النظر إليها واحدًا بعد واحد من أمام ووراء ويمين وشمال، ولا كذلك من تحت ولا من فوق أو أن يكون؛ لما رُويَ عن ابن عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أنه لما تلا هذه الآية قال: إن اللَّه منعه من أن يأتيهم من فوقهم، ولو كان ذلك لما نجا أحد، فأعمالهم تصعد إلى اللَّه، ورحمته تنزل عليهم.
وقال قتادة: أتاك اللعين من كل نحو يا ابن آدم، غير أنه لا يستطيع أن يحول بينك وبين رحمة ربك؛ إنما تأتيك الرحمة من فوقك.
والذي ذكرنا أنه على التمثيل أنه يأتيه من كل جانب أشبه.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (ثُمَّ لَآتِيَنَّهُمْ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ وَعَنْ شَمَائِلِهِمْ) يخرج على وجهين:
أحدهما: ليس على إرادة " بين " و " خلف " و " أيمان " و " شمال " ولكن على إرادة