يكن وقت الأمر من نؤدي إليه حاضرًا، أو نحو الأمر بالحج وغيره من العبادات، وإن كان لا يصل إلى أداء ما افترض عليه إلا بعد أوقات مع احتمال الشدائد، وهذا يرد - أيضًا - على من يقول: إنه لا يلزم الأوامر والمناهي من جهلها، ولا يكلف إلا بعد العلم بها؛ لأنه يتكلف حتى لا يلزمه فرض من فرائض اللَّه وعبادة من عباداته؛ لأنه لا يكسب أسباب العلم؛ لئلا يلزمه ذلك، فهذا بعيد محال، والوجه فيه ما ذكرنا، والله أعلم.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (إِنَّا جَعَلْنَا الشَّيَاطِينَ أَوْلِيَاءَ لِلَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ).
اختلف أهل الاعتزال فيه؛ قال أبو بكر الأصم: الجعل من اللَّه على وجوه:
أحدها: السبب أي: أعطينا لهم السبب الذي به صاروا أولياء لهم، كما يقول الرجل لآخر: جعلتُ لك الدار والعبيد والمال، وهو لم يجعل له ذلك، ولكن أعطاه ما به صار ذلك، وهو إنما أعطاه سبب ذلك؛ فيضاف ذلك إليه؛ فعلى ذلك ما أضاف الجعل إليه؛ لما أعطاه السبب.
وقال جعفر بن حرب: " الجعل " هو التخلية، خلى بينهم وبين أُولَئِكَ؛ فأضاف ذلك إليه بالجعل، كما يقال للرجل: جعلت عبدك قتالًا ضرابًا، إذا خلى بينه وبين ما يفعله، وهو قادر على منعه عن ذلك، فعلى ذلك فبما أضاف الجعل إلى نفسه: هو أن خلى بينهم وبين أُولَئِكَ، يعملون ما شاءوا.