وجاوزه يقال: فحش؛ فعلى ذلك الفحشاء - هاهنا - هو ما جاوز حده في القبح، أو جاوز الحد من الكثرة، وهم قد أكثروا الافتراء على اللَّه تعالى.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (أَتَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ).
قَالَ بَعْضُهُمْ: بل تقولون على اللَّه ما لا تعلمون: إنه أمر بذلك.
وقيل: قوله: (أَتَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ) أي: تعلمون أنكم تقولون على اللَّه ما لا تعلمون؛ لأنهم لم يكونوا يؤمنون بالرسل، ولا كان لهم كتاب، فكيف تعلمون أن اللَّه أمركم بذلك، وهو كقوله: (قُلْ أَتُنَبِّئُونَ اللَّهَ بِمَا لَا يَعْلَمُ فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ) لا يجوز ألا يعلم اللَّه، ولكن على النفي لذلك، ليس كما تقولون وتنبئون، ولكن يعلم خلاف ذلك وضده، ويكون في نفي ذلك إثبات غيره؛ فعلى ذلك يعلمون أنهم يقولون على اللَّه ما لا يعلمون.
وأسباب العلم بهذا: إما الرسل يخبرون عن اللَّه ذلك، وإما الكتاب يجدونه فيه مكتوبًا، فيعلمون فتتسع الشهادة بذلك، وهم قوم لا يصدقون الرسل، ولا يؤمنون بخبرهم، وليس لهم كتاب -أيضًا- يقرءونه، فما بقي إلا وحي الشيطان إليهم؛ كقوله: (وَإِنَّ الشَّيَاطِينَ لَيُوحُونَ إِلَى أَوْلِيَائِهِمْ).
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (قُلْ أَمَرَ رَبِّي بِالْقِسْطِ... (٢٩)
والقسط: هو العدل في كل شيء: في القول والفعل وغيره، كقوله: (وَإِذَا قُلْتُمْ فَاعْدِلُوا)، وكقوله - تعالى -: (كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ). وأصل العدل: هو محافظة الشيء على الحد الذي جعل له، ووضعه موضعه.