قال أبو بكر الأصم: الزينة - هاهنا -: هي اللباس؛ لأنه ذكر على أثر ذلك اللباس، وهو قوله: (خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ)، والطيبات من الرزق: ما حرموا مما أحل الله لهم من البحيرة والسائبة والوصيلة والحامي وغير ذلك، مما كانوا يحرمون الانتفاع به؛ كقوله: (وَحَرْثٌ حِجْرٌ لَا يَطْعَمُهَا إِلَّا مَنْ نَشَاءُ بِزَعْمِهِمْ).
وقال الحسن: زينة اللَّه هي المرْكَب؛ كقوله: (وَالْخَيْلَ وَالْبِغَالَ وَالْحَمِيرَ لِتَرْكَبُوهَا وَزِينَةً)، جعل اللَّه ما يركب زينة للخلق، وهم كانوا يحرمون الركوب والانتفاع بها، فقال: (قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ)، وقال: (وَالطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ): ألبانها ولحومها.
وقال غيره من أهل التأويل: زينة اللَّه - هاهنا -: النبات وما يخرج من الأرض مما هو رزق للبشر، والدواب جميعًا؛ كقوله: (إِنَّا جَعَلْنَا مَا عَلَى الْأَرْضِ زِينَةً لَهَا لِنَبْلُوَهُمْ....) وكقوله: (حَتَّى إِذَا أَخَذَتِ الْأَرْضُ زُخْرُفَهَا وَازَّيَّنَتْ) سمى لنا ما أخرج من الأرض: زينة.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (قُلْ هِيَ لِلَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا خَالِصَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ).
اختلف فيه؛ قال الحسن: هي، يعني: الطيبات خالصة للمؤمنين في الآخرة لا يشاركهم الكفرة فيها، فأمّا في الدنيا فقد شاركوهم؛ فالتأويل الأول يخرج على التقديم والتأخير؛ كأنه قال: قل هي للذين آمنوا خالصة يوم القيامة، وفي الحياة الدنيا لهم جميعًا؛ كقوله: (قَالَ وَمَنْ كَفَرَ فَأُمَتِّعُهُ قَلِيلًا ثُمَّ أَضْطَرُّهُ إِلَى عَذَابِ النَّارِ).
ويحتمل قوله: (قُلْ هِيَ لِلَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا)؛ لأنهم لم يحرموا الطيبات التي أحل اللَّه لهم، بل انتفعوا بها، وحرمها أُولَئِكَ ولم ينتفعوا بها، فكانت هي للذين آمنوا في الحياة الدنيا؛ لما انتفعوا بها في الدنيا، وتزودوا بها للآخرة، وكانت لهم خالصة يوم القيامة، وإنما كان خالصًا لهم يوم القيامة، لما لا يكون لأهل الشرك ذلك؛ لما لم يتزودوا للمعاد، وقد كانت لهم في الدنيا لو لم يحرموها وانتفعوا بها.