وقال آخرون: هو في الأماكن كلها إلا مكان الحرم، دليله ما ذكر في السورة التي ذكر فيها البقرة، وهو قوله: (وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُمْ)، وقال: (وَلَا تُقَاتِلُوهُمْ عِنْدَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ)، أمرهم بقتالهم في الأماكن كلها إلا المسجد الحرام.
وأمكن أن يكون أنهم يقتلون إلا أن يدخلوا الحرم، فإذا دخلوا الحرم وقد نهوا عن الدخول فيه والحج هنالك، على ما روي أن عليا نادى بالموسم: ألا لا يحجن بعد العام مشرك - فإذا دخلوا يقتلون، ويكون دخولهم فيه بعد النهي كابتداء مقاتلتهم إيانا، فإذا قاتلونا عند المسجد الحرام قاتلناهم؛ كقوله: (وَلَا تُقَاتِلُوهُمْ عِنْدَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ حَتَّى يُقَاتِلُوكُمْ فِيهِ فَإِنْ قَاتَلُوكُمْ فَاقْتُلُوهُمْ)، واللَّه أعلم.
وقوله: (وَخُذُوهُمْ) قيل: ائْسِروهم.
وقوله: (وَاحْصُرُوهُمْ) قيل: احبسوهم، (وَاقْعُدُوا لَهُمْ كُلَّ مَرْصَدٍ)، والمرصد الطريق؛ كأنه أمر بقوله: (فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ) بقتلهم إذا قدروا عليهم، وأمكن لهم ذلك، والأسر عند الإمكان والحبس إذا دخلوا الحصن، وحفظ المراصد عند غير الإمكان؛ لئلا يغروا، ويقال: أرصدت له، أي: انتظرت أن أجد فرصتي، ويقال: تر صد ته، أي: انتظرته.
وقَالَ بَعْضُهُمْ: قوله: (كُلَّ مَرْصَدٍ) أي: كل طريق يرصدونكم؛ كأنه أمر بذلك؛ ليضيق عليهم الأمر؛ ليضجروا وينقادوا.
وفيه دليل النهي عما يحمل إلى دار الحرب من أنواع الثياب والأمتعة وما ينتفعون به؛ لأنه أمر بالحصر وحفظ الطرق والمراصد؛ ليضيق عليهم الأمر ويشتد، فينقادوا، وفيما يحملون إليهم توسيع عليهم.
وقوله: (وَخُذُوهُمْ وَاحْصُرُوهُمْ وَاقْعُدُوا لَهُمْ كُلَّ مَرْصَدٍ) يحتمل أن يكون قوله: (وَخُذُوهُمْ وَاحْصُرُوهُمْ) أي: أقيموا عليهم الحجج والبراهين؛ ليضطروا إلى قبول ذلك، فإذا انقادوا لكم وإلا فاقتلوهم حيث وجدتموهم.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ فَخَلُّوا سَبِيلَهُمْ):
قَالَ بَعْضُهُمْ أمر اللَّه في أول الآية بقتل المشركين، فقال: (فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ


الصفحة التالية
Icon