صفته بل ذلك أحق وأولى، إذ نجد صفات الخلق لا تحد ولا تصور في الأوهام ولا تقدر بها العقول، إلا من طريق القول بالحقيقة لهم على ما هن أغيار لهم، فاللَّه - تعالى - المتعالي عن التصور في الأوهام ووصفه بالعلم، والكلام، ونحو ذلك، أحق في إبطال توهم ذلك، فتدبر فيه.
وقال الثلجي: يقال: كلام اللَّه، على الموافقة، لا على الحقيقة؛ كما يقال: ذا قول فلان، وكلام فلان، وليس غيره كلام المتكلم به، فالقائل الشاهد.
وقال أبو بكر: فهذا يدل على أن كلام اللَّه يسمع من وجوه؛ فكأنه يذهب إلى مثل ما يقال: يعرف اللَّه من وجوه، على تحقيق الوجوه، فمثله كلامه واللَّه أعلم من غير توهم المعنى الذي به يعرف عن اللَّه - سبحانه - كذلك سماع كلامه.
وفي قوله: (ثُمَّ أَبْلِغْهُ مَأْمَنَهُ) دلالة أنه لم يقبل ما سمع وعرض عليه؛ إذ لو قبل لكان يكون مأمنه هذه الدار، لا تلك، ولكان يحق عليه الخروج منها، لا العود إليها.
ثم معلوم أن كلام اللَّه هو حجته، وأن الحجة قد لزمته؛ لوجهين:
أحدهما: ما ظهر عجز الخلق عن مثله، وانتشر الخبر في الآفاق على قطع طمع المقابلين لرسول اللَّه بالرد، الباذلين مهجهم وما حوته أيديهم في إطفاء نوره، فكان ذلك حجة بينة لزمتهم.
والثاني: أن جميع ما يتلى منه لا يؤتى عن آيات إلا وفيها مما يشهد العقول على قصور أفهام الخلق عن بلوغ مثله من الحكمة وعجيب ما فيه من الحجة؛ مما لو قوبل بما فيه من المعنى وما يحدث به من الفائدة، ليعلم أن ذلك من كلام من يعلم الغيب، ولا يخفى عليه شيء، وإذا كان كذلك صار هو بالرد مكابرًا، وحق مثله الزجر والتأديب أنه لم يفعل ألما لم يكن يضمن أمانة القبول، ولا أن يعارضه بالرد، وذلك أعظم مما فيه الحدود، فالحد أحق ألا يقام عليه، واللَّه أعلم.
ثم قوله: (أَبْلِغْهُ مَأْمَنَهُ) ويحتمل وجهين:


الصفحة التالية
Icon