الْكَافِرُونَ).
ويحتمل قوله: (إِنَّهُ لَيَئُوسٌ كَفُورٌ) في حال ذهاب النعمة، والكَفُور في حال النعمة والسعة، كفور لما رأى نزع ذلك المال والسعة منه جورا وظلمًا فهو كفور.
وعن ابن عَبَّاسٍ قال: (وَلَئِنْ أَذَقْنَا الْإِنْسَانَ) يعني الكافر، (مِنَّا رَحْمَةً) يقول: نعمة العافية وسعة في المال وما يسر به، (ثُمَّ نَزَعْنَاهَا مِنْهُ) يعني الرحمة (إِنَّهُ لَيَئُوسٌ) ويعني قنوط آيس وأقنطه من رحمة اللَّه؛ وهو كقوله: (وَإِذَا أَذَقْنَا النَّاسَ رَحْمَةً فَرِحُوا بِهَا وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ إِذَا هُمْ يَقْنَطُونَ).
(وَلَئِنْ أَذَقْنَاهُ نَعْمَاءَ بَعْدَ ضَرَّاءَ مَسَّتْهُ لَيَقُولَنَّ ذَهَبَ السَّيِّئَاتُ عَنِّي إِنَّهُ لَفَرِحٌ فَخُورٌ (١٠) الفرح هو الرضا؛ كقوله: (وَفَرِحُوا بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا) أي: رضوا بها.
وقيل الفرح: البطر يبطر في حال السعة والرخاء؛ كقوله: (إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْفَرِحِينَ) والفرح فد يبلغ كفرا، ويكون الفرح سرورا ولا يكون كفرا.
فخور: يفتخر على الفقراء بالمال الذي أعطي، أو يفتخر على الأنبياء والرسل بالتكذيب، وكذلك كان عادة رؤسائهم أنهم كانوا ذوي مال وسعة، فلا بد يرون الرسالة تكون فيمن دونهم في المال والسعة؛ كقولهم: (لَوْلَا نُزِّلَ هَذَا الْقُرْآنُ عَلَى رَجُلٍ مِنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ)؛ وكقولهم: (نَحْنُ أَكْثَرُ أَمْوَالًا وَأَوْلَادًا)، ونحوه.
ويحتمل قوله: (لَيَئُوسٌ) في حال الشدة، كفور لله في نعمه في الرخاء وأصل ذلك، أنهم كانوا لا ينظرون في النعم إلى من أنعم عليهم، إنما ينظرون إلى أعين النعم وأنفسها؛ لذلك حملهم نزع ما أعطوا منهم على الإياس والقنوط، وإعطاؤها إياهم على الكفران والفرح والفخر، ولو نظروا في تلك النعم إلى المنعم لم يقع لهم إياس عند النزع، ولا الكفران والفرح عند النيل، بل يصبرون عند النزع من أيديهم ويشكرون للمنعم عليهم في حال النيل.
ثم استثنى فقال: (إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ (١١) قال بعض أهل التأويل: إلا الذين صبروا على البلايا والشدائد وعملوا الصالحات يعني: الطاعات ويشبه أن يكون


الصفحة التالية
Icon