أَفَمَنْ كَانَ عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّهِ وَيَتْلُوهُ شَاهِدٌ مِنْهُ وَمِنْ قَبْلِهِ كِتَابُ مُوسَى إِمَامًا وَرَحْمَةً أُولَئِكَ يُؤْمِنُونَ بِهِ وَمَنْ يَكْفُرْ بِهِ مِنَ الْأَحْزَابِ فَالنَّارُ مَوْعِدُهُ فَلَا تَكُ فِي مِرْيَةٍ مِنْهُ إِنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يُؤْمِنُونَ (١٧)
جوابه أن يقول: أفمن كان على بينة من ربه كمن ليس على بينة من ربه كما قال في آية أخرى: (أَفَمَنْ يَخْلُقُ كَمَنْ لَا يَخْلُقُ)؛ وكقوله: (أَفَمَنْ يَعْلَمُ أَنَّمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ الْحَقُّ كَمَنْ هُوَ أَعْمَى)، لا يعلم، فعلى ذلك جواب قوله: (أَفَمَنْ كَانَ عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّهِ) كمن لا يكون على بينة من ربه، لكن الجواب عندنا يكون على وجوه: مرة يكون بالتصريح وهو ما ذكرنا، ومرة بالإشارة، ومرة بالكناية على غير تصريح.
ثم منهم من يجعل جوابه ما تقدم وهو قوله: (مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا...) الآية، يقول: أفمن كان على بينة من ربه كمن يريد الحياة الدنيا وزينتها، أي: لا يكون كذلك، ومنهم من يجعل جوابه فيما تأخر وهو قوله: (وَمَنْ يَكْفُرْ بِهِ مِنَ الْأَحْزَابِ) كأنه يقول: أفمن كان على بينة من ربه كمن يكفر به الأحزاب، أي: لا يكون كذلك وقالوا: يجوز تقديم الجواب وتأخيره، كقوله: (أَمَّنْ هُوَ قَانِتٌ آنَاءَ اللَّيْلِ سَاجِدًا وَقَائِمًا يَحْذَرُ الْآخِرَةَ وَيَرْجُو رَحْمَةَ رَبِّهِ)، لم يخرج لهذا أيضًا جواب التصريح.
ثم اختلفوا في جوابه؛ قَالَ بَعْضُهُمْ: جوابه فيما تأخر في قوله (قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ)، وصف الذين لا يعلمون، فكأنه يقول: أفمن يعلم كمن لا يعلم.
ومنهم من يجعل جوابه في قوله: (وَإِذَا مَسَّ الْإِنْسَانَ ضُرٌّ دَعَا رَبَّهُ مُنِيبًا إِلَيْهِ ثُمَّ إِذَا خَوَّلَهُ نِعْمَةً مِنْهُ نَسِيَ مَا كَانَ يَدْعُو إِلَيْهِ مِنْ قَبْلُ وَجَعَلَ لِلَّهِ أَنْدَادًا لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِهِ قُلْ تَمَتَّعْ بِكُفْرِكَ قَلِيلًا إِنَّكَ مِنْ أَصْحَابِ النَّارِ) يقول: من جعل لله أندادًا وضل عن سبيله وصار من أصحاب النار، كمن هو قانت آناء الليل ساجذا وقائمًا أي: ليسا بسواء.
وقال مقاتل: ليس الذي على بيان من ربه كالذي موعده النار، واللَّه أعلم.
وجائز أن يكون على طرح الألف: (فمن كان على بينة من ربه ويتلوه شاهد منه ومن قبله كتاب موسى...) الآية يقول: فمن كان على بيان من ربه أُولَئِكَ يؤمنون به.
ثم قوله: (بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّهِ وَيَتْلُوهُ شَاهِدٌ مِنْهُ): قَالَ بَعْضُهُمْ: دين من ربه، أي: من كان على دين من اللَّه ويتلوه شاهد منه أي: يتلو لما هو عليه من الدِّين شاهد منه، كمن كان على دين الشيطان ولا شاهد له عليه؟! وقَالَ بَعْضُهُمْ قوله: (أَفَمَنْ كَانَ عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ