وَبَيْنَكُمُ)، لما أيس عن إيمانهم، وانقطع طمعه ورجاؤه عن إسلامهم، قال لهم ذلك أن لا محاجة بيننا وبينكم بعد هذا، واللَّه أعلم.
* * *
قوله تعالى: (وَأُوحِيَ إِلَى نُوحٍ أَنَّهُ لَنْ يُؤْمِنَ مِنْ قَوْمِكَ إِلَّا مَنْ قَدْ آمَنَ فَلَا تَبْتَئِسْ بِمَا كَانُوا يَفْعَلُونَ (٣٦) وَاصْنَعِ الْفُلْكَ بِأَعْيُنِنَا وَوَحْيِنَا وَلَا تُخَاطِبْنِي فِي الَّذِينَ ظَلَمُوا إِنَّهُمْ مُغْرَقُونَ (٣٧) وَيَصْنَعُ الْفُلْكَ وَكُلَّمَا مَرَّ عَلَيْهِ مَلَأٌ مِنْ قَوْمِهِ سَخِرُوا مِنْهُ قَالَ إِنْ تَسْخَرُوا مِنَّا فَإِنَّا نَسْخَرُ مِنْكُمْ كَمَا تَسْخَرُونَ (٣٨) فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ مَنْ يَأْتِيهِ عَذَابٌ يُخْزِيهِ وَيَحِلُّ عَلَيْهِ عَذَابٌ مُقِيمٌ (٣٩)
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (وَأُوحِيَ إِلَى نُوحٍ أَنَّهُ لَنْ يُؤْمِنَ مِنْ قَوْمِكَ إِلَّا مَنْ قَدْ آمَنَ) وقال بعضهم: إن نوحًا عليه السلام لم يدع على قومه بالهلاك ما دام يرجو ويطمع من قومه الإيمان، فإذا أيس وانقطع رجاؤه وطمعه فحينئذٍ دعا عليهم بالهلاك؛ كقوله: (رَبِّ لَا تَذَرْ عَلَى الْأَرْضِ مِنَ الْكَافِرِينَ دَيَّارًا)، أي أحدًا، (إِنَّكَ إِنْ تَذَرْهُمْ يُضِلُّوا عِبَادَكَ...) الآية، وعرف الإياس عن إيمانهم بقوله: (وَأُوحِيَ إِلَى نُوحٍ...) الآية؛ وكذلك سائر الأنبياء والرسل لم يؤذن لهم بالدعاء على قومهم بالهلاك والخروج من بين أظهرهم، ما داموا يرجون ويطمعون منهم الإيمان والإجابة لهم، فإذا أيسوا وانقطع رجاؤهم وطمعهم عن ذلك، فعند ذلك أذن لهم بالدعاء عليهم بالهلاك والخروج من بين أظهرهم أوعلى ذلك عوتب يونس بالخروج من بين أظهرهم قبل أن يؤذن له بالخروج من بينهم.
وفي قوله: (لَنْ يُؤْمِنَ مِنْ قَوْمِكَ إِلَّا مَنْ قَدْ آمَنَ) دلالة أن للإيمان حكم التجدد والابتداء في كل وقت وفي كل حال؛ لأنه أخبر أن الذي قد آمن قد يؤمن في حادث الوقت؛ وعلى ذلك يخرج الزيادات التي ذكرت في الإيمان فزادتهم إيمانا ونحوه، والله أعلم.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (فَلَا تَبْتَئِسْ بِمَا كَانُوا يَفْعَلُونَ) قيل: لا تحزن بما كانوا يفعلون، فهو يحتمل وجهين: