أحدهما: لا تحزن بكفرهم باللَّه وتكذيبهم إياك، ليس على النهي عن الحزن في ذلك، بل على دفع الحزن عنه والتسلي به؛ لأن الأنبياء - عليهم السلام - كانوا يحزنون بكفر قومهم باللَّه وجعلهم أنفسهم أعداء له؛ كقوله لرسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ -: (لَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَفْسَكَ...) الآية، وقوله: (فَلَا تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَرَاتٍ)، وأمثاله، كان الأنبياء - عليهم السلام - أشد الناس حزنا بكفر قومهم باللَّه وتكذيبهم آياته وأشدهم رغبة في إيمانهم، وكان حزنهم لم يكن على هلاكهم ألا ترى أن نوحا دعا عليهم بالهلاك وكذلك سائر الأنبياء - عليهم السلام - دل أن حزنهم كان لمكان كفرهم باللَّه وتكذيبهم آياته، لا لمكان هلاكهم إشفاقًا على أنفسهم.
والثاني: قوله: (فَلَا تَبْتَئِسْ بِمَا كَانُوا يَفْعَلُونَ) يحتمل أنهم كانوا هموا قتله والمكر به، فقال: لا تحزن بما كانوا يسعون في هلاكك فإني كافيهم قال أَبُو عَوْسَجَةَ: قوله: (فَلَا تَبْتَئِسْ) هو من الحزن، يقال: ابتأس يبتئس ابتئاسًا. قال الكسائي -أيضًا- لا تبتئس أي: لا تحزن هو من البأس، يقال: لا تبتئس بهذا الأمر.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (وَاصْنَعِ الْفُلْكَ بِأَعْيُنِنَا وَوَحْيِنَا وَلَا تُخَاطِبْنِي فِي الَّذِينَ ظَلَمُوا إِنَّهُمْ مُغْرَقُونَ (٣٧) قال بعض أهل التأويل: (بِأَعْيُنِنَا) بأمرنا ووحينا، وقَالَ بَعْضُهُمْ: بمنظرنا ومرآنا، ولكن عندنا يحتمل وجهين، أحدهصا: قوله: (بِأَعْيُنِنَا) أي: بحفظنا ورعايتنا، يقال: عين اللَّه عليك أي حفظه عليك، ثم لا يفهم من قوله: (بِأَعْيُنِنَا) نفس العين على ما لا يفهم من قوله: (ذَلِكَ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيكُمْ)، و (كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ)، ولكن ذكر الأيدي لما في الشاهد إنما يقدم باليد ويكتسب باليد؛ فعلى ذلك ذكر العين لما بالعين يحفظ في الشاهد.
والثاني: قوله: (بِأَعْيُنِنَا) أي: بإعلامنا إياك؛ لأنه لولا تعليم اللَّه إياه اتخاذ السفينة