والشمس والقمر فخرج على إخوته وأبويه؛ كأن المراد بالكواكب والنجوم، غير الكواكب، وغير الشمس والقمر، وذلك لمعنى، وذكر السجود وخرج على عين السجود وحقيقته، وكذلك ما رأى إبراهيم في المنام ذبح ولده خرج الذبح على حقيقة الذبح هو ذبح الكبش، ورأى ابنه، وكان المراد منه الكبش، فهذا أصل لنا أن الخطاب يخرج والمراد منه على عين ذلك الخطاب لا غير، وقد يخرج لمعنى فيه، فإذا اتصل ذلك المعنى بغير، وجب ذلك الحكم.
وفيه جواز الاجتهاد وطلب المعنى في المخاطبات، وكذلك ما ظهر في الناس من تعبير الرؤيا على الاجتهاد، يدل على جواز العمل بالاجتهاد.
قال بعض أهل التأويل: إن يوسف لما قصَّ رؤياه على أبيه بين يدي إخوته قال له: هذه رؤيا النهار ليست بشيء.
وقال ليوسف في السر: إذا رأيت رؤيا بعد هذا، فلا تقصها على إخوتك.
لكن هذا كذب؛ فلا يجوز أن يكذب رسول اللَّه يعقوب يقول له: رؤيا النهار ليست بشيء، ثم يعبر له في السر، ولا يتوهم على نبي من أنبياء اللَّه الكذب، وهو كذب، فإن كان فهو بالأمر.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (يَا بُنَيَّ لَا تَقْصُصْ رُؤْيَاكَ عَلَى إِخْوَتِكَ فَيَكِيدُوا لَكَ كَيْدًا إِنَّ الشَّيْطَانَ لِلْإِنْسَانِ عَدُوٌّ مُبِينٌ (٥)
دل قوله: (لَا تَقْصُصْ رُؤْيَاكَ عَلَى إِخْوَتِكَ) على أن ما رأى يوسف من سجود الكواكب له، وسجود الشمس والقمر أنه إنما كان رأى ذلك في المنام، ويدل ما ذكر في آخره أيضًا على ذلك، وهو قوله: (يَا أَبَتِ هَذَا تَأْوِيلُ رُؤْيَايَ مِنْ قَبْلُ)، ودل قوله: (لَا تَقْصُصْ رُؤْيَاكَ عَلَى إِخْوَتِكَ فَيَكِيدُوا لَكَ كَيْدًا) أن يعقوب إنما عرف ذلك بالوحي؛ حيث قطع القول في قوله: (فَيَكِيدُوا لَكَ كَيْدًا)، ولم يستثن في ذلك، وقد فعلوا به ما قال.
وفيه دلالة أن إخوته قد كانوا يعرفون تعبير الرؤيا، وكانوا علماء حكماء؛ حيث قال: (لَا تَقْصُصْ رُؤْيَاكَ عَلَى إِخْوَتِكَ)، لأنهم لو كانوا لا يعرفون تأويلها ولا علموا تعبيرها لم يكن لينهاه عن أن يقص على إخوته؛ لأنه لو قصها أو لم يقصها إذا لم يعلموا سواء، وفيه دلالة أن الأخ لا يتهم في أخيه، ويكون من الأخ الخيانة إلى أخيه، والأب والأم


الصفحة التالية
Icon