على هذين الوجهين يخرج تأويل الآية، وإلا لم يجز أن يكون نبي من الأنبياء يكذب من يعلم أنه صادق في خبره وقوله.
فَإِنْ قِيلَ في قوله: (وَأَخَافُ أَنْ يَأْكُلَهُ الذِّئْبُ): كيف خاف ذلك وقد قال له يعقوب: (وَكَذَلِكَ يَجْتَبِيكَ رَبُّكَ وَيُعَلِّمُكَ مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحَادِيثِ وَيُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ وَعَلَى آلِ يَعْقُوبَ...) أنبأه أنه يجتبيه ويعلمه من تأويل الأحاديث ويتم عليه نعمته، فكيف خاف عليه أكل الذئب والضياع، وذلك لا يحتمل أن يقول له إلا بعلم من الله والوحي إليه؟
قيل: يحتمل أن يكون ما ذكر على شرط الخوف أنه يخاف مما ذكر فيكون له ما قال من الاجتباء، وتعليم الأحاديث، وإتمام النعمة عليه.
أو خاف ذلك على ما خافوا جميعًا على ما هم عليه من الدِّين وإن عصموا عما خافوا جميعًا؛ حيث قال إبراهيم: (رَبِّ اجْعَلْ هَذَا الْبَلَدَ آمِنًا وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَنْ نَعْبُدَ الْأَصْنَامَ) ومعلوم أن إبراهيم لا يعبد الأصنام، وقال يوسف: (تَوَفَّنِي مُسْلِمًا وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ)، وأمثاله، وهو ما ذكرنا في غير موضع أن العصمة لا تزيل الخوف، ولا تؤمن عن ارتكاب مضاداته؛ بل يزيد الخوف على ذلك الأخيار والأبرار؛ كان خوفهم وإشفاقهم على دينهم أكثر من غيرهم، واللَّه أعلم.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (ذَهَبْنَا نَسْتَبِقُ).
قَالَ بَعْضُهُمْ: أي: نشتد إلى الصيد.
وقال أَبُو عَوْسَجَةَ: (نَسْتَبِقُ) هذا من السباق؛ أي: يعدون حتى ينظروا أيّهم يسبق؛ أي: يتقدم من صاحبه ويغلبه في العدو.
وقَالَ الْقُتَبِيُّ: (نَسْتَبِقُ)، أي: ننتضل، يسابق بعضنا بعضا في الرمي؛ يقال: سابقته فسبقته، واللَّه أعلم.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (وَجَاءُوا عَلَى قَمِيصِهِ بِدَمٍ كَذِبٍ قَالَ بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنْفُسُكُمْ أَمْرًا فَصَبْرٌ جَمِيلٌ وَاللَّهُ الْمُسْتَعَانُ عَلَى مَا تَصِفُونَ (١٨)
الدم لا يكون كذبًا، لكنه - واللَّه أعلم - جاءوا على قميصه بدم قد كذبوا فيه أنه دم يوسف وأن الذئب أكله، ولم يكن.