وقال الفراء: (بِدَمٍ كَذِبٍ): بدم مكذوب، والعرب قد تستعمل المصدر في موضع المفعول.
ثم قال: (بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنْفُسُكُمْ).
أي: زينت لكم أنفسكم. والتسويل: هو التزيين في اللغة؛ وتأويله - واللَّه أعلم - أي: زينت لكم أنفسكم ودعتكم إلى أمر تفصلون وتفرقون به بيني وبين ابني.
لكنا لا نعلم ما ذلك الأمر الذي زينت أنفسهم لهم، ويشبه أن يكون ذلك قوله: (يَا بُنَيَّ لَا تَقْصُصْ رُؤْيَاكَ عَلَى إِخْوَتِكَ فَيَكِيدُوا لَكَ كَيْدًا) واللَّه أعلم.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (فَصَبْرٌ جَمِيلٌ) يحتمل وجهين:
يحتمل: صبر لا جزع فيه، جميل نرضى بما ابتلينا به؛ لأن الصبر هو كف النفس عن الجزع.
والثاني: صبر جميل: كف النفس عن الجزع، وجميل: لا مكافأة فيه؛ لأنهم بما فعلوا بيوسف كانوا مستوجبين للمكافأة.
فقال: (فَصَبْرٌ) كف النفس عن الجزع بذلك، وجميل لا مكافأة فيه. واللَّه أعلم.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (وَاللَّهُ الْمُسْتَعَانُ عَلَى مَا تَصِفُونَ...) الآية؛ أي: وباللَّه أستعين على الصبر بما تصفون.
أو يقول: إني به أستعين على ما تقولون من الكذب حين تزعمون أن الذئب أكله ونحوه.
* * *
قوله تعالى: (وَجَاءَتْ سَيَّارَةٌ فَأَرْسَلُوا وَارِدَهُمْ فَأَدْلَى دَلْوَهُ قَالَ يَا بُشْرَى هَذَا غُلَامٌ وَأَسَرُّوهُ بِضَاعَةً وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِمَا يَعْمَلُونَ (١٩) وَشَرَوْهُ بِثَمَنٍ بَخْسٍ دَرَاهِمَ مَعْدُودَةٍ وَكَانُوا فِيهِ مِنَ الزَّاهِدِينَ (٢٠) وَقَالَ الَّذِي اشْتَرَاهُ مِنْ مِصْرَ لِامْرَأَتِهِ أَكْرِمِي مَثْوَاهُ عَسَى أَنْ يَنْفَعَنَا أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَدًا وَكَذَلِكَ مَكَّنَّا لِيُوسُفَ فِي الْأَرْضِ وَلِنُعَلِّمَهُ مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحَادِيثِ وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ (٢١)
وقوله: (وَجَاءَتْ سَيَّارَةٌ).
السيارة: هي جماعة السائرين كالمسافرين.