وقول اللَّه - عَزَّ وَجَلَّ -: (يَا صَاحِبَيِ السِّجْنِ أَأَرْبَابٌ مُتَفَرِّقُونَ خَيْرٌ أَمِ اللَّهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ (٣٩) يوسف - لما سئل عن تأويل الرؤيا - دعاهم إلى توحيد اللَّه ودلهم عليه؛ فقال: (ذَلِكُمَا مِمَّا عَلَّمَنِي رَبِّي)، وقال: (يَا صَاحِبَيِ السِّجْنِ أَأَرْبَابٌ مُتَفَرِّقُونَ خَيْرٌ أَمِ اللَّهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ)، أي: عبادة رب واحد وإرضاؤه خير أم عبادة عدد وإرضاء نفر؟ لأنه إذا عبد بعضًا واجتهد في إرضائهم أسخط الباقين؛ فلا سبيل إلى الوصول إلى مقصوده والظفر بحاجته؛ إذ لا يقدر على إرضائهم جميعًا، وإن اجتهد، وأما الواحد: فإنه يقدر على إرضائه؛ إذ لا يزال يكون في عبادته وإرضائه؛ فيصل إلى حاجته والظفر بمقصوده.
والثاني: يخبر أن الواحد القهار يقهر غيره من الأرباب ومن تعبدون؛ فعبادة الواحد القهار خير من عبادة عدد مقهورين.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (مَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِهِ إِلَّا أَسْمَاءً سَمَّيْتُمُوهَا أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمْ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ بِهَا مِنْ سُلْطَانٍ إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ أَمَرَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ (٤٠)
من الأصنام والأوثان.
(إِلَّا أَسْمَاءً سَمَّيْتُمُوهَا).
آلهة.
(أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمْ).
ولا يستحقون العبادة ولا التسمية بالألوهية؛ إنما المستحق لذلك: الذي خلقكم وخلق السماوات والأرض.
(مَا أَنْزَلَ اللَّهُ بِهَا مِنْ سُلْطَانٍ).
أي: ما أنزل اللَّه على ما عبدتموهم وسميتم أنتم وآباؤكم آلهة من حجة ولا برهان.
(إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ).
أي: ما الحكم - في الألوهية والربوبية والعبادة - إلا لله ليس كما تقولون: (مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى).
وقولهم: (هَؤُلَاءِ شُفَعَاؤُنَا عِنْدَ اللَّهِ)، يقول: ما الحكم في العبادة والألوهية إلا لله.
أو يقول: ما الحكم في الخلق إلا لله؛ كقوله: (أَلَا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ)، أي: له الخلق وله الأمر في الخلق.
و (أَمَرَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ).
حكمه هذا: أمر ألا تعبدوا إلا إياه.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ).