كأنه نهاهم أن يتكلفوا التعبير للرؤيا التي رآها؛ إذا لم يكن لهم بها علم، وكذلك الواجب على كل من سئل عن شيء لا يُعلم ألا يشتغل به، ولا يتكلف علمه؛ إذا لم يكن له به علم؛ حيث قال: (أَفْتُونِي فِي رُؤْيَايَ إِنْ كُنْتُمْ لِلرُّؤْيَا تَعْبُرُونَ).
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (قَالُوا أَضْغَاثُ أَحْلَامٍ وَمَا نَحْنُ بِتَأْوِيلِ الْأَحْلَامِ بِعَالِمِينَ (٤٤)
قَالَ بَعْضُهُمْ: أباطيل أحلام كاذبة وقَالَ بَعْضُهُمْ: أخلاط أحلام؛ مثل أضغاث النبات تجمع فيكون فيها ضروب مختلفة، وهو كما قيل في قوله: (وَخُذْ بِيَدِكَ ضِغْثًا فَاضْرِبْ بِهِ وَلَا تَحْنَثْ)، أي: جماعة من أغصان الشجر.
وقَالَ بَعْضُهُمْ: (أَضْغَاثُ أَحْلَامٍ): الضغث، والأضغاث: ما لا يكوت له تأويل، ويقال لنوع من الكلأ: ضغث وهو الحلفا؛ يشبه البردي وغيره.
وقيل: إن الضغث والأحلام: هما اسمان لشيء لا معنى له، ولا تأويل، وهما واحد، وأصل الأحلام: كأن مخرجه من وجهين:
أحدهما: العقول؛ دليله: قوله: (أَمْ تَأْمُرُهُمْ أَحْلَامُهُمْ بِهَذَا) أي: عقولهم (أَمْ هُمْ قَوْمٌ طَاغُونَ).
والثاني: من الاحتلام، وهو ما ذكرنا من الحلم؛ كقوله: (وَإِذَا بَلَغَ الْأَطْفَالُ مِنْكُمُ الْحُلُمَ...): الآية فيشبه أن يكون يخرج على هذا؛ لأن الصبي ما لم يعقل لا يلعب به الشيطان، ولا يحتلم؛ لأن الاحتلام هو من لعب الشيطان به، فسمى الرؤيا الباطلة الكاذبة أحلامًا؛ لأنها من لعب الشيطان به، كما سمى احتلام الصبي حلمًا؛ لأنه إذا بلغ العقل لعب به الشيطان.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (وَمَا نَحْنُ بِتَأْوِيلِ الْأَحْلَامِ بِعَالِمِينَ).
يحتمل قوله تعالى: (وَمَا نَحْنُ بِتَأْوِيلِ الْأَحْلَامِ بِعَالِمِينَ) لما لا تأويل لها؛ كقوله: (وَلَا يشفَعُونَ إِلا لِمَنِ ارْتضى)، وقوله: (فَمَا تَنْفَعُهُمْ شَفَاعَةُ الشَّافِعِينَ) أي: لا شفيع لهم.


الصفحة التالية
Icon