له: آخر، وكذلك الظاهر والباطن؛ إذا وصف بأحدهما انتفى عنه الآخر، وذلك مما وصف به اوخائب وأضيف إليه، ليعلم أنه لا يفهم بما يوصف هو به؛ ويضاف إليه ما يفهم؛ مما وصف به الخلق وأضيف إليهم. واللَّه أعلم.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (سَوَاءٌ مِنْكُمْ مَنْ أَسَرَّ الْقَوْلَ... (١٠) في نفسه في حال انفراده (وَمَن جَهَرَ بِهِ) لغيره (وَمَنْ هُوَ مُسْتَخْفٍ بِاللَّيْلِ) وفي ظلمة الليل (وَسَارِبٌ بِالنَّهَارِ).
قيل: ظاهر بالنهار، وقَالَ بَعْضُهُمْ: (وَسَارِبٌ بِالنَّهَارِ): من يكون في السرب وهو الغار بالنهار، وقَالَ بَعْضُهُمْ: من هو مستخف بالليل: أي: ساكن بالليل في مقره، وسارب بالنهار: أي: متصرف متقلب بالنهار في حوائجه.
ذكر هذا صلة ما تقدم؛ وهو قوله: (يَعْلَمُ مَا تَحْمِلُ كُلُّ أُنْثَى وَمَا تَغِيضُ الْأَرْحَامُ) ويعلم -أيضًا- ما تزداد، وما ذكر أن عالم الغيب والشهادة، يقول -أيضًا-: يعلم من أسر القول، ومن جهر به، ومن كان مستخفيًا بالليل أو ساربًا بالنهار، أي: يعلم كل شيء؛ لا يخفى عليه شيء: من عمل سرا من الخلق؛ أو عمل بظاهر منهم.
يذكر هذا - واللَّه أعلم - ليكونوا على حذر من المعاصي؛ لأن من علم أن عليه رقيبًا حفيظًا يكون أحذر وأخوف؛ ممن يعلم أن ليس عليه ذلك.
وقال مقاتل: سواء منكم؛ عند اللَّه؛ من أسر القول ومن جهر به، وسواء منكم من هو مستخف بالليل وسارب بالنهار؛ أي: من هو مستخف بالمعصية في ظلمة الليل، أو هو منتشر بتلك المعصية بالنهار؛ معلن بها؛ فعلم ذلك كله عند اللَّه؛ سواء.
في ذلك تذكير أمرين:
أحدهما: يذكرهم نعمه التي أنعمها عليهم؛ من أول حالهم إلى آخر ما ينتهون إليه يستأدي بذلك شكره؛ ليستديموا بذلك تلك النعم أبدًا ما كانوا.
والثاني: يذكرهم علمه بجميع أحوالهم وأفعالهم؛ ليكونوا أبدًا على حذر من معاصيه، والخلاف له.
أما علمه هو ما ذكر اللَّه: (اللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَحْمِلُ كُلُّ أُنْثَى...) إلى قوله: (سَوَاءٌ مِنْكُمْ...) الآية.


الصفحة التالية
Icon