فيما بينهم وبين ربهم، فلم يذكر فيهم التسبيح بحمده، وذكر في الرعد والملائكة من خيفته، أي: من خوفه، ثم الخوف يخرج على وجهين:
أحدهما: خوفًا من عقوبته؛ لأنه قد جاء فيهم الوعيد إذا زلوا كقوله: (وَمَنْ يَقُلْ مِنْهُمْ إِنِّي إِلَهٌ مِنْ دُونِهِ فَذَلِكَ نَجْزِيهِ جَهَنَّمَ...) الآية.
والثاني: خوف رهبة وهيبة لا خوف عقوبة؛ لأن اللَّه تعالى وصفهم بالطاعة له والاستسلام، كقوله: (لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ)، وقوله: (وَلَا يَسْتَحْسِرُونَ...) الآية، ونحو ذلك.
ثم خوف الهيبة لا يزول في الآخرة، وخوف العقوبة يزول.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (وَيُرْسِلُ الصَّوَاعِقَ) قيل: الصعقة: الصيحة التي فيها موت البعض، ويذهب عقل البعض، كقوله: (فَصَعِقَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ). وقيل: هي اسم العذاب وقد ذكرنا فيما تقدم ذكره في بعض الأخبار أن رجلا أتى النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - فسأله عن شيء من أمر الرب فجاءت صاعقة فأحرقته فنزل (وَيُرْسِلُ الصَّوَاعِقَ فَيُصِيبُ بِهَا مَنْ يَشَاءُ وَهُمْ يُجَادِلُونَ فِي اللَّهِ وَهُوَ شَدِيدُ الْمِحَالِ).
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (وَهُمْ يُجَادِلُونَ فِي اللَّهِ) أي: في توحيد اللَّه؛ لأن أهل الكفر كلهم كانت مجادلتهم في توحيد اللَّه وألوهيته وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (وَهُوَ شَدِيدُ الْمِحَالِ) قَالَ بَعْضُهُمْ: شديد الانتقام والعقوبة وقيل: شديد القوة وقيل: شديد الأخذ.
وقَالَ الْقُتَبِيُّ: (وَهُوَ شَدِيدُ الْمِحَالِ) من الكيد والمكر، وأصل المحال الحيلة، لكن سمي باسم الأول؛ لأنه جزاء الحيلة، فيكون كتسمية جزاء السيئة سيئة وجزاء الاعتداء