يذهب بمائها.
وقال الفراء يذهب جُفاء: أي: يذهب سريعًا كما جاء.
وقال الشيخ - رحمه اللَّه -: ويشبه أن يكون المثل الذي ضرب بالماء هو للدِّين وهو أن الدِّين الحق الذي أنزل من السماء واحد؛ لكن الناس اتخذوا أديانًا متفرقة، ومذاهب مختلفة؛ كقوله: (وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ)، فالدِّين الذي أمر بسلوكه واتباعه واحد؛ وهو كالماء الذي أنزل من السماء واحد صاف؛ وهو الأصل؛ فحذف منه أشياء لا يعبأ به ولا يكترث؛ فعلى ذلك السبل. أو أن يكون وجه ضرب مثله بالماء؛ وهو أن الماء إذا أنزل من السماء أنزل طيبًا عذبًا، لكن اختلف ألوانه وطعومه باختلاف جواهر الأرض؛ بعضه خرج مالحًا أجاجًا، وبعضه مرًّا لا ينتفع به؛ وبعضه عذب، وذلك على اختلاف جواهر الأرض، وإلا كان المنزّل من السماء كله عذب طيب؛ فالذي ينتفع به واحد؛ وهو العذب. فعلى ذلك الدِّين الذي ينتفع به - واحد؛ والبواقي لا ينتفع بها كالمياه المرة والمالحة، أو يكون غير هذا؛ ونحن لا نعرفه واللَّه أعلم.
* * *
قوله تعالى: (لِلَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِرَبِّهِمُ الْحُسْنَى وَالَّذِينَ لَمْ يَسْتَجِيبُوا لَهُ لَوْ أَنَّ لَهُمْ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا وَمِثْلَهُ مَعَهُ لَافْتَدَوْا بِهِ أُولَئِكَ لَهُمْ سُوءُ الْحِسَابِ وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمِهَادُ (١٨) أَفَمَنْ يَعْلَمُ أَنَّمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ الْحَقُّ كَمَنْ هُوَ أَعْمَى إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَابِ (١٩) الَّذِينَ يُوفُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَلَا يَنْقُضُونَ الْمِيثَاقَ (٢٠) وَالَّذِينَ يَصِلُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ وَيَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ وَيَخَافُونَ سُوءَ الْحِسَابِ (٢١) وَالَّذِينَ صَبَرُوا ابْتِغَاءَ وَجْهِ رَبِّهِمْ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرًّا وَعَلَانِيَةً وَيَدْرَءُونَ بِالْحَسَنَةِ السَّيِّئَةَ أُولَئِكَ لَهُمْ عُقْبَى الدَّارِ (٢٢) جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا وَمَنْ صَلَحَ مِنْ آبَائِهِمْ وَأَزْوَاجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ وَالْمَلَائِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ مِنْ كُلِّ بَابٍ (٢٣) سَلَامٌ عَلَيْكُمْ بِمَا صَبَرْتُمْ فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ (٢٤) وَالَّذِينَ يَنْقُضُونَ عَهْدَ اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مِيثَاقِهِ وَيَقْطَعُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ وَيُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ أُولَئِكَ لَهُمُ اللَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ (٢٥)
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (لِلَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِرَبِّهِمُ الْحُسْنَى) أي: أجابوا ربهم فيما دعاهم إليه، وإنما دعاهم إلى السبب الذي يوجب لهم دار السلام وهي الجنة بقوله: (وَاللَّهُ يَدْعُو إِلَى دَارِ السَّلَامِ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ)، دعاهم إلى دار السلام ومكن لهم من الإجابة له والرد، فمن أجابه فيما دعاه كان له دار السلام، والحسنى الذي ذكر،


الصفحة التالية
Icon