والصادر بالاختيار، ويكون اهتداؤهم باختيارهم؛ أوضلالهم باختيارهم؛ لا بالاضطرار والقهر؛ ألا ترى أنه قال: (الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ) وهو القرآن الذي أنزله على رسوله؛ فهو وصف المقبل المنيب إلى ذكر اللَّه؛ يسكن وتطمئن قلوبهم بالتأمل والتفكر فيها وأصله أن اللَّه - عَزَّ وَجَلَّ -: شاء اهتداء من علم أنه يختار الاهتداء والإيمان، وشاء ضلال من علم أنه يختار فعل الضلال والزيغ، يشاء ألكل؛ لما علم منه أنه يختار ذلك.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ) وتسكن إليه.
وقال بعض أهل التأويل: هو في الحلف في الخصومات؛ ألا في الحلف باللَّه؛ أتطمئن وتسكن، قلوب الذين آمنوا لا تطمئن بالحلف بغير اللَّه.
وقَالَ بَعْضُهُمْ: ألا بالقرآن؛ وبما في القرآن من الثواب، تسكن وتطمئن قلوب الذين آمنوا. ويشبه أن يكون قوله: (الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ) أي: تفرح وتستبشر قلوب الذين آمنوا بذكر اللَّه ألا بذكر اللَّه تستبشر وتفرح قلوب الذين آمنوا؛ لأنه ذكر في الكفرة الفرح بالحياة الدنيا؛ وهو قوله: (وَرَضُوا بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاطْمَأَنُّوا بِهَا)، وذكر في المؤمنين الاستبشار والفرح بذكر اللَّه، وفي أُولَئِكَ ذكر أن قلوبهم تشمئز بذكر الرحمن وتستبشر بذكر من دونه؛ وهو قوله: (وَإِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَحْدَهُ اشْمَأَزَّتْ قُلُوبُ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ وَإِذَا ذُكِرَ الَّذِينَ مِنْ دُونِهِ إِذَا هُمْ يَسْتَبْشِرُونَ) أخبر اللَّه تعالى أن قلوب المؤمنين تستبشر وتفرح بذكر اللَّه، وقلوب أُولَئِكَ تستبشر وتفرح بذكر من دونه.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ... (٢٨) يخرج على وجهين:
أحدهما: تطمئن قلوبهم بذكر اللَّه لهم، وذكر اللَّه لهم التوفيق والتسديد والعصمة، ونحوه.
والثاني: تطمئن قلوبهم بذكرهم اللَّه، وذكرهم اللَّه: إحسانه ونعمه وعظمته وجلاله، ونحوه.