بالخفض. ومن قرأ بالرفع: (اللَّهُ الَّذِي) وجعله مقطوعًا عن الأول أعلى أحق الابتداء؛ فقال: (اللَّهُ الَّذِي لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ).
ذكر قوله: (اللَّهُ الَّذِي لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ)؛ ليعلم أنه بما يأمر الخلق؛ ويدعوهم إلى دينه؛ ويمتحنهم بأنواع المحن لا يفعل ذلك لمنافع نفسه أو لحاجته في ذلك؛ بل لحاجة الممتحنين ولمنافعهم.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (وَوَيْلٌ لِلْكَافِرِينَ مِنْ عَذَابٍ شَدِيدٍ).
قال قائلون: الويل: هو الشدة، وقيل: الويل: هو اسم وادٍ في جهنم.
وقال الأصم: الويل: هو نداء كل مكروب وملهوف من شدة البلاء، وقول الحسن كذلك.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (الَّذِينَ يَسْتَحِبُّونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا عَلَى الْآخِرَةِ وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَيَبْغُونَهَا عِوَجًا أُولَئِكَ فِي ضَلَالٍ بَعِيدٍ (٣)
وصف أُولَئِكَ الذين ذكر أن فيهم الويل من هم؛ فقال: (الَّذِينَ يَسْتَحِبُّونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا عَلَى الْآخِرَةِ) أي: آثروا واختاروا الحياة الدنيا على الآخرة؛ أي: رضوا بها واطمأنوا فيها؛ كقوله: (وَرَضُوا بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاطْمَأَنُّوا بِهَا)، اختاروا الحياة الدنيا للدنيا؛ لم يختاروا للآخرة؛ فالدنيا أنشئت لا للدنيا ولكن إنما أنشئت للآخرة؛ فمن اختارها لها؛ لا ليسلك بها إلى الآخرة - ضلّ وزاغ عن الحق.
وقوله: (الَّذِينَ يَسْتَحِبُّونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا عَلَى الْآخِرَةِ) وهو ما ذكرنا: يستحبون الحياة الدنيا على الآخرة؛ حتى يلهوا عن الآخرة؛ ويسهوا فيها ويغفلوا، وإلا أهل الإسلام ربما يستحبون الحياة الدنيا على الآخرة، وهو ما ذكرنا: أنهم يختارون ذلك للآخرة، وأُولَئِكَ للدنيا.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ).
يحتمل (وَيَصُدُّونَ): وجهين:
أحدهما: أعرضوا هم بأنفسهم.
والثاني: صرفوا الناس عن سبيل اللَّه؛ الذي من سلكه نجا، لكن إنما يتبين ويظهر ذلك بالمصدر صد يصد صدا: صرف غيره، وصد يصد صدودا: أعرض هو بنفسه.