وعلى قول المعتزلة: لا يملك إنجاز ما وعد؛ لأنه يجيء إنسان؛ فيقتله؛ فيمنع الله عن وفاء ما وعد، فذلك عجز وخلف في الوعد، فنعوذ باللَّه من السرف في القول، والزيغ عن الحق.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (وَقَالُوا يَا أَيُّهَا الَّذِي نُزِّلَ عَلَيْهِ الذِّكْرُ... (٦) يعني: القرآن.
(إِنَّكَ لَمَجْنُونٌ).
قال الحسن: قوله: يَا أَيُّهَا الذي تدعي أنه نزل عليه الذكر: إنك لمجنون؛ فيما تدعي من نزول الذكر، هو على الإضمار الذي قال الحسن، وإلا في الظاهر متناقض؛ لأنهم كانوا لا يقرون بنزول الذكر عليه؛ لأنهم لو أقروا نزول الذكر عليه لكان قولهم متناقضا فاسدًا.
(إِنَّكَ لَمَجْنُونٌ) سموه مجنونًا، والذي حملهم على تسميتهم إياه مجنونًا وجوه:
أحدها: أنهم لما رأوه أنه قد أظهر الخلاف لذوي العقول منهم والأفهام، والدعاء إلى غير ما هم فيه؛ فرأوا أنه ليس يخالف أهل العقول والفهم إلا بجنون به؛ فسموه مجنونًا.
والثاني: رأوه قد أظهر الخلاف للفراعنة والجبابرة، الذين كانت عادتهم القتل والهلاك من أظهر الخلاف لهم؛ في أمر من أمورهم الدنياوية؛ فكيف من أظهر الخلاف لهم، في الدِّين؟ فظنوا أنه ليس يخالفهم، ولا يخاطر بنفسه وروحه إلا لجنون فيه.
والثالث: قالوا ذلك لما رأوه؛ كان يتغير لونه عند نزول الوحي عليه؛ فظنوا أن ذلك لآفة فيه، ومن تأمل حقيقة ذلك علم أن من قرفه بالجنون فيه هو المجنون لا هو؛ حيث قال: (أَوَلَمْ يَتَفَكَّرُوا مَا بِصَاحِبِهِمْ مِنْ جِنَّةٍ...) الآية، وقال: (مَا أَنْتَ بِنِعْمَةِ رَبِّكَ بِمَجْنُونٍ)، أخبر أنهم لو تفكروا عرفوا أنه ليس به جنة، ولكن عن معاندة ومكابرة؛ يقولون؛ وجهل، وسموه مرة ساحرًا؛ فذلك تناقض في القول؛ لأنه لا يسمى ساحرًا إلا لفضل بصر وعلم؛ فذلك تناقض.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (لَوْ مَا تَأْتِينَا بِالْمَلَائِكَةِ إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ (٧)
تأويله - واللَّه أعلم - يقولون له: إنك تزعم أن الملائكة يأتونك بالوحي، فهلا أظهرت


الصفحة التالية
Icon