وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (كَذَلِكَ نَسْلُكُهُ فِي قُلُوبِ الْمُجْرِمِينَ (١٢)
اختلف فيه: قَالَ بَعْضُهُمْ: كذلك نسلك التكذيب والاستهزاء في قلوب المجرمين؛ لا يؤمنون به، يقول: من حكم اللَّه أن يسلك التكذيب في قلب من اختار التكذيب وكذبه، ومن حكمه أن يسلك التصديق في قلب من صدقه واختاره؛ كقوله: (فَلَمَّا زَاغُوا أَزَاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ)، وكقوله: (وَمَا يُضِلُّ بِهِ إِلَّا الْفَاسِقِينَ).
وقَالَ بَعْضُهُمْ: قوله: (كَذَلِكَ) نجعل الكفر والتكذيب (فِي قُلُوبِ الْمُجْرِمِينَ) بكفرهم؛ كقوله: (وَجَعَلْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَنْ يَفْقَهُوهُ...) الآية، وقوله: (وَجَعَلْنَا قُلُوبَهُمْ قَاسِيَةً)، ونحوه.
ويحتمل قوله: (كَذَلِكَ نَسْلُكُهُ فِي قُلُوبِ الْمُجْرِمِينَ) الحجج والآيات؛ ليكون تكذيبهم وردهم الآيات والحجج، وتكذيبهم تكذيب عناد ومكابرة، لا يؤمنون به.
وقوله: (كَذَلِكَ نَسْلُكُهُ فِي قُلُوبِ الْمُجْرِمِينَ) أي: مثل الذي سلكنا في قلوب المؤمنين؛ من قبول الآيات والحجج، والتصديق لها؛ لما علم أنهم يختارون ذلك - نسلك في قلوب المجرمين؛ من تكذيب الآيات والحجج وردها؛ لما علم منهم الرد والتكذيب لها. هذا يحتمل، ويحتمل غير هذا مما ذكرنا. واللَّه أعلم.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (وَقَدْ خَلَتْ سُنَّةُ الْأَوَّلِينَ (١٣)
يحتمل قوله: (وَقَدْ خَلَتْ سُنَّةُ الْأَوَّلِينَ) بالتكذيب، والرد، والمعاندة، والمكابرة، بعد قيام الحجج والآيات.
ويحئمل: (وَقَدْ خَلَتْ سُنَّةُ الْأَوَّلِينَ): الهلاك والاستئصال عند مكابرة حجج اللَّه، ومعاندتهم إياها.
وقال بعض أهل التأويل: (كَذَلِكَ نَسْلُكُهُ) أي: نجعله؛ على ما ذكرنا، الكفر بالعذاب (فِي قُلُوبِ الْمُجْرِمِينَ)، (لَا يُؤمِنُونَ بِه) أي: لا يصدقون بالعذاب (وَقَدْ خَلَتْ سُنَّةُ الْأَوَّلِينَ) بالتكذيب لرسلهم بالعذاب، فهَؤُلَاءِ يستنون بسنتهم.
وقال أَبُو عَوْسَجَةَ: (كَذَلِكَ نَسْلُكُهُ): أي: ندخله؛ يقال: السالك: الداخل، والسلوك: الدخول، وسلكت أدخلت، وتصديقه: قوله: (كَذَلِكَ سَلَكْنَاهُ).