لم يشتبه هذا على الناس، ولم يفهموا أمن قوله: (وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي)، (فَنَفَخْنَا فِيهِ مِنْ رُوحِنَا)، ما فهموا من نفخ الخلق، فما بالهم فهموا من قوله: (ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ)، و (اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ)، ونحوه - استواء الخلق؟ بل فهم نفخه من فهم نفخ الخلق أكثر من استوائه؛ لأنه أمكن صرف الاستواء إلى وجوه؛ ولا يمكن صرف النفخ فيه، لكنه اشتبه عليهم؛ لأنهم اقتدروا فعل اللَّه بفعل الخلق، ولا يجب أن يقتدروا بالخلق على ما لم يقتدروا في قوله: حدود اللَّه، وحكم اللَّه، وعباد اللَّه، وخلق اللَّه، وأمثاله. وقد أخبر أنه (لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ)، أو تلقين من الشيطان.
وقوله: (رُوحِي) (رُوحِنَا) أي: الروح الذي به حياة الخلق؛ أي: خلق الذي يكون به حياة الخلق على ما ذكرنا.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ).
يحتمل أن يكون قوله: (خَالِقٌ بَشَرًا) ما ذكر خبر أنه سيفعل، وأمر لهم بالسجود؛ فيكون الأمر بالسجود بعد ما خلقه إياه، فهذا يدل أنه قد يجوز تقدم الأمر عن وقت الفعل. واللَّه أعلم.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (فَسَجَدَ الْمَلَائِكَةُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ (٣٠) إِلَّا إِبْلِيسَ أَبَى أَنْ يَكُونَ مَعَ السَّاجِدِينَ (٣١)
ظاهر الأمر بالسجود؛ والاستثناء - الذي ذكر - يدل أن إبليس من الملائكة؛ لأن فيهم كان الأمر بالسجود، ومنهم وقع الثنيا، وقد ذكرنا اختلافهم وأقاويلهم فيما تقدم؛ مقدار ما حفظناه.
قال: والأصل بأن كل ما خرج مخرج الاستثناء - فيجب أن يسقط اسم ما أجمل؛ نحو قول الرجل الآخر: لك علي عشرة إلا درهمًا، يسقط الاستثناء ما أجمل من الاسم حتى صار تسعة، وكذلك إذا قال: ألف إلا خمسين، وإذا لم يسقط ذلك الاسم - فلابد أن يكون الكل فيه مضمرًا؛ نحو قول الرجل: رأيت علماء بلدة كذا إلا فلانًا - يجب أن يضمر فيه حرف الكل، حتى يقع على كل؛ نحو أن يقول: رأيت كل علماء بلدة كذا إلا