اشتهى بعضهم زيارة بعض، ولا يكونون مدبرين؛ ولا معرضين، بل مقبلين، يخبر عن اجتماعهم في الآخرة في الشراب، وأنواع المطاعم على ما يستحسن في الدنيا الإخوان بينهم الاجتماع على الشراب والطعام، والتلذذ، والنظر بعضهم إلى بعض، فعلى ذلك أخبر أن لهم في الآخر كذلك اجتماع في الشراب، والنظر، وأنواع التلذذ واللَّه أعلم.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (لَا يَمَسُّهُمْ فِيهَا نَصَبٌ (٤٨)
أي: عناء ومشقة، أخبر أنه لا عناء يمسهم كما يكون في الدنيا؛ لأن في الدنيا: من أطال المقام في موضع يمل عن ذلك ويسأم، وكذلك إذا أكثر من نوع من الطعام؛ أو الشراب، أو الفاكهة - يمل عن ذلك ويسأم، ويؤذيه، ولا يوافقه، فأخبر أن أهل الجنة لا يملون ولا يؤذيهم طعامها؛ وإن أكثروا.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (وَمَا هُمْ مِنْهَا بِمُخْرَجِينَ).
أخبر أنهم لا يخرجون منها، ولا هم يطلبون الخروج منها؛ كقوله: (لَا يَبْغُونَ عَنْهَا حِوَلًا)؛ لأن خوف زوال النعم ينغص على صاحبها تلك النعمة، وطعمها؛ فأخبر أنهم فيها أبدًا، وتلك النعمة لهم دائمة غير زائلة عنهم واللَّه أعلم.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (نَبِّئْ عِبَادِي أَنِّي أَنَا الْغَفُورُ الرَّحِيمُ (٤٩)
قَالَ بَعْضُهُمْ: (نَبِّئْ عِبَادِي) أي: أخبرهم (أَنِّي أَنَا الْغَفُورُ الرَّحِيمُ) لمن استغفرني وتاب عما ارتكب من معاصيه، (وَأَنَّ عَذَابِي هُوَ الْعَذَابُ الْأَلِيمُ) لمن عصاني، ولم يستغفر، ولم يتب إليه.
ويحتمل غير هذا؛ وهو أن يقول: (نَبِّئْ عِبَادِي أَنِّي أَنَا الْغَفُورُ الرَّحِيمُ) لئلا ييئسوا من رحمتي، ولا يقنطوا مني، ولكن يرجون رحمته وعفوه، ويخافون عذابه ونقمته، ونبئهم أيضًا أن عذابي هو العذاب الأليم لئلا يكونوا آمنين أبدًا؛ فيكون فيه أمر بأن يبشر، وأن ينذر؛ كأنه قال بشر أوليائي أني أنا الغفور الرحيم لأوليائي، وأن عذابي شديد أليم لأعدائي.
وفي قوله: (نَبِّئْ عِبَادِي) فيه بشارة ونذارة: أما البشارة: فهو قوله: (أَنِّي أَنَا الْغَفُورُ الرَّحِيمُ)، وأما النذارة: فهو قوله: (وَأَنَّ عَذَابِي هُوَ الْعَذَابُ الْأَلِيمُ).


الصفحة التالية
Icon