المستقبلة، يقال: استمخر الإنسان الريح: إذا استقبلها. وقال أبو عبيدة: مواخر من الاستدبار؛ يقال: إذا أراد أحدكم البول فليستمخر الريح: أي: يستدبرها. واللَّه أعلم.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ).
يحتمل بالتجارة التي جعل فيها؛ حيث جعل سبيل قطع البحار إلى بلاد نائية بعيدة بالسفن؛ ليبتغوا ما به قوام أبدانهم وأنفسهم؛ إذ جعل بنيتهم بنية لا تقوم إلا بالأغذية، ولعلهم لا يظفرون ما به قوام أبدانهم وبنيتهم في بلادهم؛ فيحتاجون إلى البلاد النائية البعيدة عنهم، فمنَّ عليهم بذلك؛ كما من بقطع المفاوز والبراري بالدواب؛ بقوله: (وَتَحْمِلُ أَثْقَالَكُمْ إِلَى بَلَدٍ لَمْ تَكُونُوا بَالِغِيهِ إِلَّا بِشِقِّ الْأَنْفُسِ).
أو قال: (وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ) بما يستخرج منه، ولعلكم تشكرون جميع ما ذكر: من ألوان النعم والمنافع؛ من أول السورة إلى آخرها؛ يستأدي به شكره.
وفي قوله: (وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ) دلالة إباحة التجارة، وطلب الفضل بركوب الأخطار واحتمال الشدائد؛ حيث أخبر أنه سخر البحر؛ حتى أمكنهم ركوبه بالحيل والأسباب التي علمها لهم؛ لأن الغواص يخاطر بروحه ونفسه، وكذلك راكب السفينة.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (وَأَلْقَى فِي الْأَرْضِ رَوَاسِيَ أَنْ تَمِيدَ بِكُمْ وَأَنْهَارًا وَسُبُلًا لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ (١٥)
أي: ألقى في الأرض الجبال؛ لئلا تميد بكم؛ قال بعض أهل التأويل: قوله: (وَأَلْقَى فِي الْأَرْضِ رَوَاسِيَ) لئلا تميد بكم، لأنها بسطت على الماء؛ فكانت تكفو بأهلها؛ كما تكفو السفينة في الماء؛ فأثبتها بالجبال؛ لتقر بأهلها، لكن لو كان على ما ذكروا أنها بسطت على الماء لكانت لا تكفو ولا تضطرب، ولكنها تتسرب في الماء وتنهار فيه؛ لأن من طبعها التسقل والتسرب في الماء؛ إلا أن يقال: إن اللَّه - عز وجل - جعل - بلطفه - طبعها طبع ما يضطرب؛ وتكفو؛ فعند ذلك يحتمل ما ذكروا. والله أعلم.
ولو قالوا: إنها بسطت على الريح لكان يحتمل ما قالوا؛ ويكون أشبه بقولهم؛ ألا ترى أن السراج في الآبار والسروب لا يضيء بل ينطفئ كما أسرج؛ فيشبه أن يكون انطفاؤه لريح تكون في الأرض، وقد ذكرنا هذا فيما تقدم، واللَّه أعلم بذلك.


الصفحة التالية
Icon