وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (وَلَمْ أَكُنْ بِدُعَائِكَ رَبِّ شَقِيًّا).
قَالَ بَعْضُهُمْ: أي: كنت تعودني الإجابة في دعائي إياك فيما مضى.
وقَالَ بَعْضُهُمْ: أي: لم يكن دعائي مما يخيب عندك، وهما واحد، ذكر مننه وفضله الذي كان منه إليه.
وقود - عَزَّ وَجَلَّ -: (وَإِنِّي خِفْتُ الْمَوَالِيَ مِنْ وَرَائِي... (٥)
قال الحسن: خاف مواليه أن يرثوا ماله، فأما علمه ونبوته فمما لا يورث.
قال أبو بكر الأصم: هذا لا يصح، لا يحتمل أن يخاف زكريا وراثة ماله مواليه؛ فيسأل ربه لذلك الولد ليرثه ماله، ولكن خاف أن يُضَيعَ مواليه دينه وسننه من بعده؛ فسأل ربه أن يهب له الولد ليقوم مقامه في حفظ دينه وسننه.
وقال: لا يحتمل وراثة المال؛ لما روي في الخبر: " إنا معاشر الأنبياء لا نورث ما تركناه صدقة "، فلا يخلو هذا من أحد وجهين:
إما أن كان هذا في المال له خاصة دون سائر الأنبياء، وإما إذَنْ لم يكن زكريا نبيا فدل هذا أنه لا يحتمل وراثة المال فدل أنه على العلم: أن يضيع الموالي علمي من ورائي.
ويحتمل قوله: (وَإِنِّي خِفْتُ الْمَوَالِيَ مِنْ وَرَائِي)، وسؤاله الولد وجهًا آخر، وهو أنه سأل ربه الولد الرضي الطيب؛ ليذكر هو به بعد وفاته بالأعمال والصنيع الذي كان منه في حياته، وُيدْعَى له، لئلا ينقطع ذكره، ودعاء الخلق له، وهذا هو المعروف في الخلق أنهم يذكرون ويدعون لهم بالخيرات التي كانت في حال حياتهم، إذا كان له ولد صالح فعلى ذلك سؤال زكريا الولد، واللَّه أعلم.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (وَكَانَتِ امْرَأَتِي عَاقِرًا) أي: لا تلد.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (فَهَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا. يَرِثُنِي) أي: يلي أمري.
وقوله: (يَرِثُنِي وَيَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ وَاجْعَلْهُ رَبِّ رَضِيًّا (٦)
قال بعض أهل التأويل: ما ذكرنا: يرثني مالي، ويرث من آل يعقوب النبوة، وقيل: (فَهَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا) وارثًا يرثني مكاني، ونبوتي، ويرث من آل يعقوب الملك؛ لأنهم كانوا ملوكًا، وكانوا أخواله، وهو كان حَثرًا، واللَّه أعلم بذلك.
ولكن قوله: (يَرِثُنِي) ما كان له من العلم والحكمة والذين وغيره، ويرث من آل يعقوب ما كان لهم من العلوم وغيرها، فإن ثبت أن آل يعقوب كانوا أخواله، ففيه دلالة أن ذوي الأرحام يرثون بعضهم من بعض، واللَّه أعلم.