وقَالَ بَعْضُهُمْ: أخذت من دونهم حجابًا، أي: سترًا.
وقال مقاتل: اتخذت من دونهم الجبل حجابًا وسترًا، أي: جعلت الجبل بينها وبين أهلها، فلم يرها أحد منهم.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (فَأَرْسَلْنَا إِلَيْهَا رُوحَنَا):
قال أبي بن كعب: هو روح عيسى، أرسله اللَّه إلى مريم في صورة بشر، (فَتَمَثَّلَ لَهَا بَشَرًا سَوِيًّا).
وقال غيره من أهل التأويل: (فَأَرْسَلْنَا إِلَيْهَا رُوحَنَا): جبريل، وقد سمى الله جبريل: روحًا في غير آي من القرآن: (رُوحُ الْقُدُسِ)، وغيره.
(فَتَمَثَّلَ لَهَا بَشَرًا سَوِيًّا) أي: لم يكن به أثر غير البشر.
وقَالَ بَعْضُهُمْ: (بَشَرًا سَوِيًّا) لا عيب فيه ولا نقصان، بل كان سو، لا صحيحًا كاملًا، واللَّه أعلم.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (قَالَتْ إِنِّي أَعُوذُ بِالرَّحْمَنِ مِنْكَ إِنْ كُنْتَ تَقِيًّا (١٨)
فَإِنْ قِيلَ: كيف تعوذت بالرحمن إن كان تقيًّا، وإنَّمَا يتعوذ بالرحمن من الفاجر والفاسق؟ قال الحسن؛ قوله: (إِنْ كُنْتَ تَقِيًّا) مفصول من قوله: (إِنِّي أَعُوذُ بِالرَّحْمَنِ مِنْكَ)، فيكون على الابتداء، كأنها قالت: (إِنْ كُنْتَ تَقِيًّا) لا ينالني منك سوء ولا يمسني شر.
ويحتمل قوله: (إِنْ كُنْتَ تَقِيًّا) أي: ما كنت تقيا، أي: حيث دخلت عليَّ من غير استئذان منك ولا استئمار ما كنت تَقِيًّا، ويحتمل قوله: (إِنْ كُنْتَ تَقِيًّا) أي: وقد كنت تقيًّا، فعلى هذا التأويل كأنه دخل عليها على صورة بشر عرفته بالتقى والصلاح، فكأنها قالت: قد كنت عرفتك بالتقى والصلاح فكيف دخلت عليَّ بلا إذن ولا أمر؟! وقد يجوز أن يستعمل (إن) مكان (ما) ومكان (قد)، وهو في القرآن كثير، واللَّه أعلم.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (قَالَ إِنَّمَا أَنَا رَسُولُ رَبِّكِ لِأَهَبَ لَكِ غُلَامًا زَكِيًّا (١٩) هو على


الصفحة التالية
Icon