وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (وَكَانَ أَمْرًا مَقْضِيًّا) أي: كان أمره كائنا، وعلى التأويل الذي ذكره أبو بكر الأصم في قوله: (قَالَ كَذَلِكِ قَالَ رَبُّكِ هُوَ عَلَيَّ هَيِّنٌ وَلِنَجْعَلَهُ آيَةً لِلنَّاسِ) يكون قوله: (وَكَانَ أَمْرًا مَقْضِيًّا) أي: كان وعدًا وخبرًا معلومًا على ما أخبر الأنبياء عن نبأ عيسى وأمه.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (فَحَمَلَتْهُ فَانْتَبَذَتْ بِهِ مَكَانًا قَصِيًّا (٢٢)
دلَّ هذا على أن الولاد لم يكن على إثر الحمل، ولكن كان بين الولاد وبين الحمل وقت، لكن لا يُعلم كم ذلك الوقت إلا بخبر عن اللَّه.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (فَانْتَبَذَتْ بِهِ مَكَانًا قَصِيًّا).
قَالَ بَعْضُهُمْ: تباعدت به؛ حياء من أهلها.
وقَالَ بَعْضُهُمْ: انفردت به مكانا قصيًّا متباعدًا.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (فَأَجَاءَهَا الْمَخَاضُ إِلَى جِذْعِ النَّخْلَةِ قَالَتْ يَا لَيْتَنِي مِتُّ قَبْلَ هَذَا وَكُنْتُ نَسْيًا مَنْسِيًّا (٢٣)
قَالَ الْقُتَبِيُّ: (فَأَجَاءَهَا الْمَخَاضُ) أي: جاء بها، من المجيء، وألجأها إليها، يقول: جاءت بي الحاجة إليك، وأجاءتني الحاجة. والمخاض: هو الحمل.
ودل قوله: (فَانْتَبَذَتْ بِهِ مَكَانًا قَصِيًّا) أن النخلة التي ألجأها المخاض إليها كانت يابسة، على ما قاله أهل التأويل؛ لأنه إنما انتبذت مكانًا قصيًّا وتباعدت حياء من أهلها، فلو كانت تلك النخلة رطبة ذات ثمار، لكان الناس يأوون إليها ويقيمون عندها، فلا يحتمل أن تأوي إليها مريم وعندها يأوي الناس، ثم التجاؤها إلى النخلة لتتساند إليها وتستعين بها على ما تقع الحاجة للنساء وقت الولادة إلى شيء يستعن به عما ينزل بهن من الشدة، واللَّه أعلم.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (قَالَتْ يَا لَيْتَنِي مِتُّ قَبْلَ هَذَا وَكُنْتُ نَسْيًا مَنْسِيًّا).
يحتمل أن يكون (يَا لَيْتَنِي مِتُّ قَبْلَ هَذَا وَكُنْتُ نَسْيًا مَنْسِيًّا)، أي: وكنت غير معروفة.
ويحتمل أن يكون - على ما ذكر - (يَا لَيْتَنِي مِتُّ قَبْلَ هَذَا وَكُنْتُ نَسْيًا مَنْسِيًّا): لا أذكر بعد الموت بذلك، لأنه ذكر أنها كانت من أهل شرف وكرم، ومن أهل بيت النبوة، فتمنت أن تكون غير معروفة؛ لئلا تذكر بسوء بعدها ولا بقذف.


الصفحة التالية
Icon