بين الجنة والنار، فينظر إليه أهل النار وأهل الجنة، فيندم أهل النار ويكون لهم الحسرة؛ لما كانوا يطمعون الموت يتأملون منه، فذلك الحسرة التي ذكر، ولكن هذا لا يعلم إلا بخبر عن رسول اللَّه، فإن ثبت شيء عنه فهو ذاك، وإلا فالحسرة لهم هي أعمالهم التي عملوا في الدنيا، وهو ما قال: (كَذَلِكَ يُرِيهِمُ اللَّهُ أَعْمَالَهُمْ حَسَرَاتٍ عَلَيْهِمْ)، وقوله: (يَا حَسْرَتَى عَلَى مَا فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اللَّهِ)، وقوله: (يَا حَسْرَتَنَا عَلَى مَا فَرَّطْنَا فِيهَا)، ونحوه كل عمل عملوا في الدنيا يكون لهم ذلك حسرة في الآخرة وندامة.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (إِذْ قُضِيَ الْأَمْرُ)، أي: أدخل أهل الجنة الجنة وأهل النار النار.
(وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ)، أي: هم كانوا في غفلة من هذا (وَهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ).
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (إِنَّا نَحْنُ نَرِثُ الْأَرْضَ وَمَنْ عَلَيْهَا وَإِلَيْنَا يُرْجَعُونَ (٤٠)
هذا - واللَّه أعلم - كناية عن فناء الخلق جميعًا وبقاء الخالق، فذلك معنى الوراثة، واللَّه أعلم.
وعلى ذلك سمي الوارث في الشاهد: وارثًا؛ لأنه باقٍ بعد فناء مورثه، واللَّه أعلم.
* * *
قوله تعالى: (وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِبْرَاهِيمَ إِنَّهُ كَانَ صِدِّيقًا نَبِيًّا (٤١) إِذْ قَالَ لِأَبِيهِ يَا أَبَتِ لِمَ تَعْبُدُ مَا لَا يَسْمَعُ وَلَا يُبْصِرُ وَلَا يُغْنِي عَنْكَ شَيْئًا (٤٢) يَا أَبَتِ إِنِّي قَدْ جَاءَنِي مِنَ الْعِلْمِ مَا لَمْ يَأْتِكَ فَاتَّبِعْنِي أَهْدِكَ صِرَاطًا سَوِيًّا (٤٣) يَا أَبَتِ لَا تَعْبُدِ الشَّيْطَانَ إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلرَّحْمَنِ عَصِيًّا (٤٤) يَا أَبَتِ إِنِّي أَخَافُ أَنْ يَمَسَّكَ عَذَابٌ مِنَ الرَّحْمَنِ فَتَكُونَ لِلشَّيْطَانِ وَلِيًّا (٤٥) قَالَ أَرَاغِبٌ أَنْتَ عَنْ آلِهَتِي يَا إِبْرَاهِيمُ لَئِنْ لَمْ تَنْتَهِ لَأَرْجُمَنَّكَ وَاهْجُرْنِي مَلِيًّا (٤٦) قَالَ سَلَامٌ عَلَيْكَ سَأَسْتَغْفِرُ لَكَ رَبِّي إِنَّهُ كَانَ بِي حَفِيًّا (٤٧) وَأَعْتَزِلُكُمْ وَمَا تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَأَدْعُو رَبِّي عَسَى أَلَّا أَكُونَ بِدُعَاءِ رَبِّي شَقِيًّا (٤٨) فَلَمَّا اعْتَزَلَهُمْ وَمَا يَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَكُلًّا جَعَلْنَا نَبِيًّا (٤٩) وَوَهَبْنَا لَهُمْ مِنْ رَحْمَتِنَا وَجَعَلْنَا لَهُمْ لِسَانَ صِدْقٍ عَلِيًّا (٥٠)
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِبْرَاهِيمَ).
قال الحسن: هو صلة (كهيعص. ذِكْرُ رَحْمَتِ رَبِّكَ عَبْدَهُ زَكَرِيَّا).
يقول: اذكر رحمة ربك إبراهيم، وكذلك يجعل جميع ما ذكر في هذه السورة من نحو هذا صلة ذلك، كأنه ذكر (كهيعص) في كل ذلك؛ لأنه يجعل تفسير (كهيعص)