(أُولَئِكَ هُمُ الْوَارِثُونَ (١٠) الَّذِينَ يَرِثُونَ الْفِرْدَوْسَ...) الآية، والوارث هو الباقي من المورث والخلف عن الميت.
وقوله: (فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ):
قَالَ بَعْضُهُمْ: الْخَلْف - بالجزم - يستعمل في موضع الذم، والْخَلَف بالتحريك والنصب في موضع الحمد.
وقَالَ بَعْضُهُمْ: هما سواء، ويستعملان جميعًا في موضع واحد.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (وَمَا نَتَنَزَّلُ إِلَّا بِأَمْرِ رَبِّكَ لَهُ مَا بَيْنَ أَيْدِينَا وَمَا خَلْفَنَا وَمَا بَيْنَ ذَلِكَ وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيًّا (٦٤)
هذا الكلام منه لا يكون إلا عن سؤال كان منه، كأنه قد كان استبطأ نزول جبريل عليه، فعند ذلك قال له: إنا لا نتنزل إلا بأمر ربك.
ثم فيه أنه لم يقل ذلك له إلا بأمر اللَّه؛ لأن اللَّه أخبر أنهم: (لَا يَسْبِقُونَهُ بِالْقَوْلِ وَهُمْ بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ): فلا يحتمل أن يقول له ذلك من تلقاء نفسه؛ فيجعل ذلك آية في كتاب اللَّه تتلى.
قوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (لَهُ مَا بَيْنَ أَيْدِينَا وَمَا خَلْفَنَا وَمَا بَيْنَ ذَلِكَ).
كان هذا الكلام موصول بقوله: (وَمَا نَتَنَزَّلُ إِلَّا بِأَمْرِ رَبِّكَ)؛ لأنهما جميعًا كانا يعلمان أن له ما بين أيديهم وما خلفهم وما بين ذلك؛ فدل ذلك أنه موصول بالأول، وجهة الصلة بالأول هو أن يقال: (وَمَا نَتَنَزَّلُ إِلَّا بِأَمْرِ رَبِّكَ)، لا نتقدم إلا بأمره، ولا نتأخر ولا نعمل شيئًا إلا بأمره، وهو كقوله: (لَا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ).
وأمَّا غيره من أهل التأويل اختلفوا فيه:
قَالَ بَعْضُهُمْ: قوله: (لَهُ مَا بَيْنَ أَيْدِينَا): هو الآخرة، (وَمَا خَلْفَنَا): ما مضى من الدنيا، (وَمَا بَيْنَ ذَلِكَ): الحال التي نحن فيها.
وقَالَ بَعْضُهُمْ: قوله: (لَهُ مَا بَيْنَ أَيْدِينَا): الدنيا، (وَمَا خَلْفَنَا): الآخرة، (وَمَا بَيْنَ ذَلِكَ): ما بين النفختين، وأمثال هذا، لكن الذي ذكرنا بدءًا أولى وأشبه؛ إذ هو على الصلة بالأول؛ إذ لا يتقدم ولا يتأخر ولا يعمل شيئًا إلا بأمره، واللَّه أعلم.


الصفحة التالية
Icon