(كِرَامًا كَاتِبِينَ)، قال أَبُو عَوْسَجَةَ: الضد: الخصم، والإدّ السوق الشديد، وقوله: (شَيْئًا إِدًّا)، أي: شديدًا، والورد، أي: يوردهم إياها، أي: يدخلهم، وقال: الورد: النصيب من الماء، وقوله: (هَدًّا) أي: صوتًا يهدّ، أي: يهدم.
* * *
قوله تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمَنُ وُدًّا (٩٦) فَإِنَّمَا يَسَّرْنَاهُ بِلِسَانِكَ لِتُبَشِّرَ بِهِ الْمُتَّقِينَ وَتُنْذِرَ بِهِ قَوْمًا لُدًّا (٩٧) وَكَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُمْ مِنْ قَرْنٍ هَلْ تُحِسُّ مِنْهُمْ مِنْ أَحَدٍ أَوْ تَسْمَعُ لَهُمْ رِكْزًا (٩٨)
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمَنُ وُدًّا).
يحتمل وجوهًا ثلاثة:
أحدها: خاطب أهل مكة: إذا آمنتم وعملتم الأعمال الصالحات يرفع اللَّه ما بينكم من التباغض والتعادي، فيبدل سكانه المحبة والمودة، كقواله: (وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا)، أخبر أنهم صاروا بالإيمان إخوانا مؤلفة قلوبهم بنعمة من اللَّه وفضله.
والثاني: (سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمَنُ وُدًّا) في الجنة، أي: ينزع عنهم ما في قلوبهم من غل وغش، كقوله: (وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ إِخْوَانًا عَلَى سُرُرٍ مُتَقَابِلِينَ).
والثالث: (سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمَنُ وُدًّا) في قلوب الأنبياء والأخيار وأصحاب الدّين؛ لأنهم إنما ينظرون إلى الإنسان لدينه ولخلوصه عمله لله وصفائه له لا إلى الدنيا وما تحويه يده.
وجائز أن يكون على ما رويت الأخبار إن ثبتت: رُويَ عن أبي هريرة عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - قال: " إذا أحَبَّ اللَّه عبدا نادى قد أحببتُ فلانًا فأحِبُّوه " وكذلك هذا في البغض.
وقال كعب: وجدت في التوراة: أنه لم تكن محبة لأحد من أهل الأرض حتى يكون بدؤها من اللَّه تعالى ينزلها على أهل السماء، ثم على أهل الأرض، وكذلك قال في البغض، ثم قال: وكذلك وجدت في القرآن، فقرأ هذه الآية (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا


الصفحة التالية
Icon