وقَالَ بَعْضُهُمْ: (وَهَلْ أَتَاكَ)، أي: قد أتاك حديث موسى؛ لتخبرهم عما كان في كتبهم؛ ليكون ذلك آية لنبوتك ورسالتك.
وقواله - عَزَّ وَجَلَّ - (فَقَالَ لِأَهْلِهِ امْكُثُوا إِنِّي آنَسْتُ نَارًا لَعَلِّي آتِيكُمْ مِنْهَا بِقَبَسٍ أَوْ أَجِدُ عَلَى النَّارِ هُدًى (١٠)
قيل: رأيت نارًا، وقيل: علمت نارًا؛ (لَعَلِّي آتِيكُمْ مِنْهَا بِقَبَسٍ) ليس في هذه الآية بيان أن موسى في أي حال كان؟ وفي أيّ وقت؟ لكن في موضع آخر بيان ذلك، وهو ما قال: (فَلَمَّا قَضَى مُوسَى الْأَجَلَ وَسَارَ بِأَهْلِهِ آنَسَ مِنْ جَانِبِ الطُّورِ نَارًا)، هذا يدل أنه كان في حال السير والسفر رأى ذلك، وقال في آية أخرى: (لَعَلِّي آتِيكُمْ مِنْهَا بِخَبَرٍ أَوْ جَذْوَةٍ مِنَ النَّارِ لَعَلَّكُمْ تَصْطَلُونَ)، فهذا يدل أنه كان في أيام الشتاء والبرد، حيث قال: (لَعَلَّكُمْ تَصْطَلُونَ).
قال أَبُو عَوْسَجَةَ: (لَعَلِّي آتِيكُمْ مِنْهَا بِقَبَسٍ) القبس: النار، والأقباس: النيران، ويقال: قبس يقبس قبسًا، أي: جاء بالنار، ويقال: اقتبست نارًا، واقتبست -أيضًا-: تعلمت، وهذا من ذاك؛ لأن العلم ضوء، ويقال: اقتبستك، أي: علمتك، واقتبستك أي النار والعلم.
وقَالَ الْقُتَبِيُّ: (آنَسْتُ نَارًا): أبصرت، ويكون في موضع آخر: علمت، كقوله: (فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْدًا)، أي: علمتم منهم رشدًا.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (أَوْ أَجِدُ عَلَى النَّارِ هُدًى):
هذا يشبه أن يكون قد استقبلته الطرق؛ فلم يعلم الطريق الذي له من غيره، فقال: (أَوْ أَجِدُ عَلَى النَّارِ هُدًى)، أي: من يدلني ويرشدني على الطريق.
أو أن كان قد ضل الطريق وعدل عنه، فقال عند ذلك ما قال، واللَّه أعلم.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (فَلَمَّا أَتَاهَا نُودِيَ... ) نداء وحي (يَا مُوسَى (١١) إِنِّي أَنَا رَبُّكَ فَاخْلَعْ نَعْلَيْكَ (١٢)
قَالَ بَعْضُهُمْ: إنما أمره بخلع نعليه؛ لأنهما كانا من جلد ميتة.
وقال قائلون: أمره ينزع نعليه؛ ليس قدماه بركة ذلك الوادي، أو يصيبه من يمنه.
وقَالَ بَعْضُهُمْ: أمره بذلك؛ للتواضع والخضوع له؛ لأن لبس النعل يخرج مخرج