تشبيهه بخلقه، سبحانه وتعالى عما يقول الظالمون علوًّا كبيرًا.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (قَالَ فَمَنْ رَبُّكُمَا يَا مُوسَى (٤٩) قَالَ رَبُّنَا الَّذِي أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى (٥٠) وقال في آية أخرى: (وَمَا رَبُّ الْعَالَمِينَ. قَالَ رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا) الآية، (رَبُّ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَمَا بَيْنَهُمَا)، سأله عن ماهيته، فأجابه موسى عن آثار صنعه في خلقه، وأنه ربُّ كل شيء، وربُّ ما ذكر، لم يجبه عما سأله من ماهيته وكيفيته، حيث قال: (فَمَنْ رَبُّكُمَا يَا مُوسَى)، فجوابه عن الماهية: ربنا فلان، وأنه كذا، ففيه دلالة أن اللَّه لا يعرف من جهة الماهية والكيفية؛ إذ لا ماهية ولا كيفية؛ إذ هما أوصاف الخلق، فاللَّه سبحانه يتعالى عن أن يوصف بشيء من صفات الخلق.
ثم يحتمل قوله: (أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى (٥٠) وجوهًا:
أحدها: أعطى كل شيء يكون، صورة ما قد كان معاشه وقوامه؛ ليعلم أنه قادر على بعثهم على الصورة التي كانت.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (ثُمَّ هَدَى) فهو على قوله: أعطى كل شيء ثم هدى، فإن كان التأويل: أعطى كل شيء صورته وهيئته، فقوله: (ثُمَّ هَدَى للنجاة، وإن كان أعطى جنسه وشكله ثم هداه للنسل، وإن كان قوله: (أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ) ما به معاشهم وقوامهم، ثم هداه لما يتعيشون به، ويقومون به، وهداه لما يصلح لهم وما لا يصلح لهم، واللَّه أعلم.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (قَالَ فَمَا بَالُ الْقُرُونِ الْأُولَى (٥١) قَالَ عِلْمُهَا عِنْدَ رَبِّي فِي كِتَابٍ).
قَالَ بَعْضُهُمْ: إنما سأل فرعون موسى عن القرون الأولى؛ لأنه سمع من ذلك الرجل المؤمن حين قال: (إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ مِثْلَ يَوْمِ الْأَحْزَابِ)، ولم يكن لموسى بهم علم، فوكل علمهم إلى اللَّه، ثم أنزل اللَّه عليه التوراة، فبين له فيها أمرهم.
وقَالَ بَعْضُهُمْ: سأل فرعون موسى ذلك؛ لأن موسى أخبر أنه يبعث، وخوفه على ذلك، فعند ذلك قال: (فَمَا بَالُ الْقُرُونِ الْأُولَى) لم يبعثوا منذ أهلكوا؟ فقال له ما قال.
وقَالَ بَعْضُهُمْ: قوله: (فَمَا بَالُ الْقُرُونِ الْأُولَى) إنما سأله عن حال القرون الأولى أهم في الجنة أو في النار، فقال: (عِلْمُهَا عِنْدَ رَبِّي... (٥٢)
وقَالَ بَعْضُهُمْ: إنما سأله عن أعمالهم: فما أعمال القرون الأولى؟ فقال: (عِلْمُهَا عِنْدَ رَبِّي) أي: أعمالهم عند ربي في كتاب مرقوم، وقوله: (سَائِقٌ وَشَهِيدٌ)، وقوله: (فِي كِتَابٍ) قَالَ بَعْضُهُمْ: الكتاب الذي أثبتت فيه أعمالهم، وقَالَ بَعْضُهُمْ: في اللوح