الإنسان؛ فعلى ذلك إضافة خلق أنفسنا إلى الأرض.
والثاني: نسب إليها؛ لأنا من أول ما ننشأ إلى آخر ما ننتهي إليه يكون قوامنا ومعاشنا من الخارج من الأرض؛ فنسب خلقنا إليه، وهو ما قال: (قَدْ أَنْزَلْنَا عَلَيْكُمْ لِبَاسًا) واللّباس على هيئته ما هو لم ينزل من السماء، لكنه أضافه إليها؛ لأنه كان بأسباب من السماء وأصله منها.
وقَالَ بَعْضُهُمْ: ذكر أن الملك ينطلق فيأخذ من تراب ذلك المكان الذي يدفن فيه الإنسان فيذره على النطفة التي قضى اللَّه منها الولد؛ فيخلق من التراب والنطفة، قذلك معنى الإضافة إليهما، لكن هذا سمعي لا يعرف إلا بالخبر، فإن ثبث فهو هو، وإلا لا يجوز أن يقال ذلك رأيًا.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (وَفِيهَا نُعِيدُكُمْ).
قوله: (وَفِيهَا نُعِيدُكُمْ) إذا متم، أي: تقبرون فيها، فيخرج مخرج الامتنان علينا، وذلك لنا خاصة دون غيرنا من الحيوان، لئلا نتأذى بهم، كقوله: (ثُمَّ أَمَاتَهُ فَأَقْبَرَهُ)، أو أن يكون قوله: (وَفِيهَا نُعِيدُكُمْ)، أي: تصيرون ترابًا إذا متم، فيخبر عن قدرته وسلطانه، أي: من قدر على أن صيَّر الإنسان ترابًا، بعد أن لم يكن ترابًا لقادر على أن يصيره إنسانًا على ما كان بعدما صار ترابًا، وهو ما قال: (وَمِنْهَا نُخْرِجُكُمْ تَارَةً أُخْرَى) أي: منها نبعثكم وننشئكم مرة أخرى، واللَّه أعلم.
* * *
قوله تعالى: (وَلَقَدْ أَرَيْنَاهُ آيَاتِنَا كُلَّهَا فَكَذَّبَ وَأَبَى (٥٦) قَالَ أَجِئْتَنَا لِتُخْرِجَنَا مِنْ أَرْضِنَا بِسِحْرِكَ يَا مُوسَى (٥٧) فَلَنَأْتِيَنَّكَ بِسِحْرٍ مِثْلِهِ فَاجْعَلْ بَيْنَنَا وَبَيْنَكَ مَوْعِدًا لَا نُخْلِفُهُ نَحْنُ وَلَا أَنْتَ مَكَانًا سُوًى (٥٨) قَالَ مَوْعِدُكُمْ يَوْمُ الزِّينَةِ وَأَنْ يُحْشَرَ النَّاسُ ضُحًى (٥٩) فَتَوَلَّى فِرْعَوْنُ فَجَمَعَ كَيْدَهُ ثُمَّ أَتَى (٦٠) قَالَ لَهُمْ مُوسَى وَيْلَكُمْ لَا تَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ كَذِبًا فَيُسْحِتَكُمْ بِعَذَابٍ وَقَدْ خَابَ مَنِ افْتَرَى (٦١) فَتَنَازَعُوا أَمْرَهُمْ بَيْنَهُمْ وَأَسَرُّوا النَّجْوَى (٦٢) قَالُوا إِنْ هَذَانِ لَسَاحِرَانِ يُرِيدَانِ أَنْ يُخْرِجَاكُمْ مِنْ أَرْضِكُمْ بِسِحْرِهِمَا وَيَذْهَبَا بِطَرِيقَتِكُمُ الْمُثْلَى (٦٣) فَأَجْمِعُوا كَيْدَكُمْ ثُمَّ ائْتُوا صَفًّا وَقَدْ أَفْلَحَ الْيَوْمَ مَنِ اسْتَعْلَى (٦٤)
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (وَلَقَدْ أَرَيْنَاهُ آيَاتِنَا كُلَّهَا) ولم يره جميع آياته، إنما أراه بعض آياته، لكن إن كان المراد منها الإعلام له، فقد أعلم الآيات كلها؛ لأنه إنما أراه آية واحدة أو بعض الآيات، فرؤية آية واحدة وبعضها يدل على إعلام غيرها من الآيات، فهو على