الافتتان بالعجل الذي اتخذه السامري.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (قَالَ هُمْ أُولَاءِ عَلَى أَثَرِي... (٨٤)
هذا على التأويل الأول، أي: هم يجيئون على أثري.
وعلى التأويل الثاني، أي: تركتهم على ديني وسبيلي، وهو قول الحسن وقتادة.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (وَعَجِلْتُ إِلَيْكَ رَبِّ لِتَرْضَى).
أي: عجلت إليك رب فيما دعوتني إجابة وطاعة فيما أمرتني؛ لترضى، هذا على التأويل الذي قال: إنه خرج وحده.
وعلى التأويل الذي يقول: إنه خرج بنفر يقول - واللَّه أعلم -: (وَعَجِلْتُ إِلَيْكَ رَبِّ لِتَرْضَى)؛ إذ لم يكن لي سبب ولا معنى يمنعني عن الإسراع إلى ما دعوتني وأمرتني.
وهكذا عندنا أن من لزمه أمر اللَّه وفرضه، لزمه الإسراع والعجلة إلى القيام بأدائه، إذا لم يكن هناك سبب يمنعه عن التعجيل له والقيام به، واللَّه أعلم.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (قَالَ فَإِنَّا قَدْ فَتَنَّا قَوْمَكَ مِنْ بَعْدِكَ وَأَضَلَّهُمُ السَّامِرِيُّ (٨٥)
الفتنة: هي المحنة التي فيها شدائد وبلايا، ومعنى الافتتان هاهنا: هو ما فتنهم بالعجل الذي اتخذه السامري، جعله جسدًا بدم ولحم على ما ذكر، ونفخ فيه الروح، وجعل له خوار، فذلك معنى الافتتان منه إياهم، واللَّه أعلم.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (وَأَضَلَّهُمُ السَّامِرِيُّ).
أضاف الإضلال إلى السامري؛ لأنه كان سبب إضلالهم حيث اتخذ لهم العجل، ودعاهم إلى عبادته، وقال: (هَذَا إِلَهُكُمْ وَإِلَهُ مُوسَى)، فأضاف الإضلال إليه؛ لما ذكرنا من دعائه إليه والسبب الذي كان منه، وإلا لم يكن لأحد إضلال أحد، وأضاف الافتتان إلى نفسه؛ لما ذكرنا من جعل العجل جسداني من لحم ودم وروحاني.
فَإِنْ قِيلَ: ما معنى إجراء ما أجرى على يدي السامري مع ضلالة من الآية؟
قيل: هو - واللَّه أعلم - أنه لو ادعى لنفسه الرسالة، لكان لا يتهيأ له ذلك، لكنه إنما ادعى أنه إله وآثار العبودية فيه ظاهرة قائمة يعرف كل أحد أنه ليس بإله، وأما الرسالة فإنه يجوز أن تشتبه على الناس وتلتبس عليهم، فيمنع اللَّه - عَزَّ وَجَلَّ - من ليس برسول إذا ادعى الرسالة إقامة دلالة الرسالة لاشتباهها على الناس، وأما الألوهية فلا يمنع عن إجراء ذلك؛ لأن آثار العبودة وأعلام العجز فيها ظاهرة يعرفها كل أحد.
وهكذا من أتى أهل قرية لم يبلغهم هذا القرآن فقرأ هذا القرآن وقال: إني رسول الله إليكم لم يقدره اللَّه على قراءته، ولو ادعى الربوبية لم يمنع؛ لأن آثار العجز عن إتيان


الصفحة التالية
Icon