مِنْ رَسُولٍ...) الآية.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (وَعَنَتِ الْوُجُوهُ لِلْحَيِّ الْقَيُّومِ وَقَدْ خَابَ مَنْ حَمَلَ ظُلْمًا (١١١)
قيل: (عَنَتِ): ذلت وخضعت الوجوه.
وجائز أن يكون ذكر الوجوه، كناية عن أنفسهم؛ لما بالوجوه يظهر الذلة والخضوع، فكنى بها عنهم.
فإن كان ما أخبر من خضوعهم وذلهم في الآخرة، فهو على ما أخبر من خضوع الخلائق له في الآخرة.
وإن كان بعضهم يتكبر في الدنيا، وإن كان في الدنيا فهو على خضوع الخلقة له خضعت خلقة الخلائق كلهم له.
وقوله: (لِلْحَيِّ الْقَيُّومِ) قد ذكرنا تأويل الحي القيوم فيما تقدم.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (وَقَدْ خَابَ مَنْ حَمَلَ ظُلْمًا).
أي: قد خاب من حمل الشرك، والظلم هاهنا الشرك، وقد خاب من حمل ما ذكر من الحمل والوزر، وهو ما ذكر في قوله: (مَنْ أَعْرَضَ عَنْهُ فَإِنَّهُ يَحْمِلُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وِزْرًا (١٠٠) خَالِدِينَ فِيهِ وَسَاءَ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ حِمْلًا)، أي: خاب من حمل ذلك الحمل، واللَّه أعلم.
وقَالَ بَعْضُهُمْ: في قوله: (يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ) من أمر الآخرة، (وَمَا خَلْفَهُمْ) من أمر الدنيا، (وَلَا يُحِيطُونَ بِهِ) يعني: ألا يحيط، الملائكة به (عِلْمًا)، يقول: هم لا يعلمون من كلامه إلا ما علمهم إياه، فإن كان هذا في الملائكة خاصة، فإنه لا يحتمل ما ذكرنا من التأويل في قوله: (وَمَا خَلْفَهُمْ) من الشرور وما نبذوه وراء ظهورهم؛ لأنهم مطيعون لله لا يعصونه طرفة عين، ويحتمل غيره من التأويلات التي ذكرنا، واللَّه أعلم.
وقَالَ بَعْضُهُمْ: في قوله: (يَوْمَئِذٍ لَا تَنْفَعُ الشَّفَاعَةُ إِلَّا مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمَنُ): في الشفاعة، (وَرَضِيَ لَهُ قَوْلًا): قول: لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، مسلمًا في الدنيا مؤمنا حقا، فذلك الذي رضي، والشفاعة تحل لهم، فأما غيرهم فلا يشفع لهم، وهو ما ذكرنا فيما تقدم.
وقَالَ بَعْضُهُمْ في قوله: (وَعَنَتِ الْوُجُوهُ لِلْحَيِّ الْقَيُّومِ) أي: عملت الوجوه للحي القيوم، قالوا: وتأويل (عَنَتِ) العمل، أي: خضعت له بالعمل الصالح في الدنيا، على ما ذكر