وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (لَوْ يَعْلَمُ الَّذِينَ كَفَرُوا) ما نزل بهم بوقوع القيامة حتى لا يملكون كفها عن وجوههم ولا عن ظهورهم ولا هم ينصرون، إنما تحيط بهم حتى لا يملكون هم دفعها عن أنفسهم، ولا يملك ما اتخذوا أنصارًا وأعوانا في الدنيا دفع ذلك أيضًا، وهو كقوله: (لَهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ ظُلَلٌ مِنَ النَّارِ...) الآية، وقوله: (أَفَمَنْ يَتَّقِي بِوَجْهِهِ سُوءَ الْعَذَابِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ).
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (بَلْ تَأْتِيهِمْ بَغْتَةً (٤٠)
أخبر أنها تأتيهم بغتة - أي: فجأة - لا يعلم أهلها عن وقت وقوعها (فَتَبْهَتُهُمْ)، قال أهل التأويل: (فَتَبْهَتُهُمْ): صتفجأهم، والبهتة كأنها حيرة، يقول: تأتيهم بغتة فجأة فتحيرهم، وهو ما أخبر: (وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى وَمَا هُمْ بِسُكَارَى)؛ وذلك لحيرتهم في أنفسهم، وهو ما ذكر: (إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الْأَبْصَارُ...) الآية؛ يصيرون حيارى؛ لشدة أهوالها.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (فَلَا يَسْتَطِيعُونَ رَدَّهَا وَلَا هُمْ يُنْظَرُونَ).
أخبر أنهم لا يملكون دفعها إذا وقعت بهم، (وَلَا هُمْ يُنْظَرُونَ) في وقوعها أن من ابتلى بالبلايا في الشاهد فإنما يملك دفعه عن نفسه إما بقوة نفسه، وإما بأعوان وأنصار ينصرونه ويعينونه في دفعه عنه، وإما بالتضرع والابتهال والاستسلام، كقوله: (فَلَوْلَا إِذْ جَاءَهُمْ بَأْسُنَا تَضَرَّعُوا..) الآية، فأخبر عَزَّ وَجَلَّ: لا يملكون دفعها بقوى أنفسهم ولا بأنصارهم الذين استنصروا؛ حيث قال: (وَلَا هُمْ يُنْصَرُونَ)، (وَلَا هُمْ يُنْظَرُونَ) بالتضرع والاستسلام.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (وَلَقَدِ اسْتُهْزِئَ بِرُسُلٍ مِنْ قَبْلِكَ فَحَاقَ بِالَّذِينَ سَخِرُوا مِنْهُمْ مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِءُونَ (٤١) فيه تصبير رسول اللَّه على ما يستهزئون به؛ لأنه قال: (وَلَقَدِ اسْتُهْزِئَ بِرُسُلٍ مِنْ قَبْلِكَ)، أي: لست بأول رسول لله استهزأ به قومه، فيه تخويف أُولَئِكَ باستهزائهم به بما نزل بأوائلهم باستهزائهم برسلهم.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (فَحَاقَ) قال أهل التأويل: حاق: نزل ووجب ووقع وأمثاله.
وقال بعض أهل المعاني: الحيق: هو ما اشتمل على الإنسان من مكروه، أي: بفعله؛ كقوله: (وَلَا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلَّا بِأَهْلِهِ)، وقَالَ بَعْضُهُمْ: حاق، أي: رجع عليهم وأحاط بهم.


الصفحة التالية
Icon