هَذَا فَاسْأَلُوهُمْ إِنْ كَانُوا يَنْطِقُونَ).
اختلف في هذا:
قَالَ بَعْضُهُمْ: هذا القول من إبراهيم كذب في الظاهر فيما أراد أن يكيد لهم، وإن لم يكن في الحقيقة عنده كذبًا، وكذلك ما قال: (إِنِّي سَقِيمٌ)، وكان صحيحًا، وقوله: (هَذَا رَبِّي)، ومثل هذا قالوا: هذا في الظاهر كذب، وإن لم يرد هو به في الحقيقة كذبا.
وقَالَ بَعْضُهُمْ: إنه إنما قال ذلك على أن يريهم من نفسه الموافقة لهم في الظاهر؛ ليكونوا للحجج أسمع وللبراهين أقبل، فيكون تأويله - واللَّه أعلم -: لعل كبيرهم فعل بهم هذا.
أو أن يقول: أكبر فعل هذا بهم وكذلك قالوا في قوله: (هَذَا رَبِّي).
قَالَ بَعْضُهُمْ: ليس هذا ولا فيه كذب في الظاهر، ولكن قال ذلك على الشرط حيث قال: (بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هَذَا فَاسْأَلُوهُمْ إِنْ كَانُوا يَنْطِقُونَ (٦٣) أي: بل فعله كبيرهم إن كانوا ينطقون، علق فعله بشرط النطق، فإذا كانوا لا ينطقون لم يجئ منه.
وقوله: (إِنِّي سَقِيمٌ)، أي: سأسقم وكل حي يسقم يومًا، وقوله: (هَذَا رَبِّي)، أي: ليس هذا ربي ومثل هذا قد قالوا، واللَّه أعلم.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (فَرَجَعُوا إِلَى أَنْفُسِهِمْ... (٦٤)
أي: رجعوا إلى أنفسهم باللائمة، فقالوا فيما بينهم: (إِنَّكُمْ أَنْتُمُ الظَّالِمُونَ) هذا يحتمل وجوهًا:
إنكم أنتم الظالمون حيث نسبتم الفعل بهذه الأصنام والكسر إلى إبراهيم وقلتم: إنه فعل ذلك بهم، وإنما فعل بهم هذا كبيرهم؛ لما وقع عندهم أن كبيرهم هو الذي فعل بهم.
والثاني: إنكم أنتم الظالمون حيث اتخذتم مع كبيرهم آخرين شركاء في العبادة حتى غضب عليهم فكسرهم.
أو أن يكون قوله: (إِنَّكُمْ أَنْتُمُ الظَّالِمُونَ) يعنون الأصنام المكسورة: يا هَؤُلَاءِ (إِنَّكُمْ أَنْتُمُ الظَّالِمُونَ)؛ حيث حملتم الكبير على تكسيركم، واللَّه أعلم بما أرادوا بذلك، ولا يجوز لنا أن نزيد أو ننقص في هذه الأنباء المذكورة في الكتاب، أو نقطع على جهة دون جهة؛ لأنها ذكرت ليحتج عليهم بما في كتبهم، فلو زيد أو نقص أو قطع على جهة دون