وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (وَكُنَّا فَاعِلِينَ).
أي: كنا فاعلين ما نريد: إن أردنا أن يسبحن، يسبحن، وإن أردنا ألا يسبحن، لا يسبحن، أي: كنا فاعلين جميع ما نريد، ليس كالخلائق؛ لأنهم يريدون أشياء لا تلتئم لهم.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (وَعَلَّمْنَاهُ صَنْعَةَ لَبُوسٍ لَكُمْ... (٨٠) وقال في آية أخرى: (وَأَلَنَّا لَهُ الْحَدِيدَ (١٠) أَنِ اعْمَلْ سَابِغَاتٍ...) الآية.
ثم يحتمل قوله: (وَأَلَنَّا لَهُ الْحَدِيدَ) أي: علمناه السبب الذي به يلين الحديد فيصنع به ما شاء، كما علم غيره من الخلق السبب الذي يلين به الحديد.
ويحتمل أن جعل له الحديد لينًا بلا سبب؛ تسخيرًا له كما سخر له غيره من الأشياء الشديدة الصلبة، كما أعطى ولده عين القطر حيث قال: (وَأَسَلْنَا لَهُ عَيْنَ الْقِطْرِ) وذلك لم يكن لأحد سواه. وكذلك الحديدَ ألان لوالده حتى يعمل به ما شاء ما لم يكن ذلك في حديد سواه، (وَعَلَّمْنَاهُ صَنْعَةَ لَبُوسٍ لَكُمْ) قيل: دروع الحديد (لِتُحْصِنَكُمْ مِنْ بَأْسِكُمْ) أي: تقيكم من بأسكم، أي: من عدوكم ومن أمر حربكم، وفيه قرأت: (لِتُحْصِنَكُمْ) بالتاء: و (ليحصنكم) بالياء: و (لنحصنكم) بالنون.
قال الكسائي: من قرأ بالتاء: (لِتُحْصِنَكُمْ) أي: الصنعة تحصنكم من بأسكم، ومن قرأ بالياء: (ليحصنكم) أي: اللبوس يحصنكم من بأسكم، ومن قرأ بالنون: (لنحصنكم) فإنه يقول: نحصنكم بهن من بأسكم.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (فَهَلْ أَنْتُمْ شَاكِرُونَ) ما أعطاكم من النعمة التي ذكر من تسخير الجبال له والطير والحديد والرياح وغيره، فهل أنتم شاكرون ذلك، أي: اشكروا له في نعمه؛ لأن الاستفهام من اللَّه على الإيجاب والإلزام.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (وَلِسُلَيْمَانَ الرِّيحَ عَاصِفَةً تَجْرِي بِأَمْرِهِ... (٨١) ذكر هاهنا " عاصفة "، وقال في آية أخرى: (فَسَخَّرْنَا لَهُ الرِّيحَ تَجْرِي بِأَمْرِهِ رُخَاءً حَيْثُ أَصَابَ) أي: لينة، فهو يحتمل وجوهًا: قَالَ بَعْضُهُمْ: كأنها تشتد إذا أراد سليمان وتلين إذا أراد.
وقَالَ بَعْضُهُمْ: كانت تشتد وقت حمل السرير وتلين وقت سيره.
ويحتمل أن تكون عاصفة شديدة في الخلقة، لكنها كانت تلين له وترخو؛ فكأنه يقول: سخرنا لسليمان الريح العاصفة الشديدة حتى كانت تلين له.
وقوله: (تَجْرِي بِأَمْرِهِ إِلَى الْأَرْضِ الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا) لا تقصد غيرها.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (وَكُنَّا بِكُلِّ شَيْءٍ عَالِمِينَ. وَمِنَ الشَّيَاطِينِ مَنْ يَغُوصُونَ لَهُ


الصفحة التالية
Icon