إشفاقا على نفسه، كما خرج رسول اللَّه من بين أظهر قومه لما هموا بقتله، لكن رسول اللَّه خرج بإذن، ويونس بغير إذن.
والثالث: خرج من عندهم لما أكثروا العناد والمكابرة وأيس من إيمانهم خرج ليفرغ لعبادته؛ إذ كان مأمورًا بعبادة ربه ودعاء قومه إلى ذلك، فلما أيس من إيمانهم خرج كما ذكرنا بغير إذن من ربه، وإن كان في خروجه منفعة له ولقومه، فعوتب لذلك، والله أعلم.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ) قَالَ بَعْضُهُمْ: (فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ) أي: لن نضيق عليه، ولا نبتليه بالضيق الشديد لما خرج من عندهم، فيقال: فلان مقدر عليه، ومقتر، ومضيق عليه الأمر، وهو كقوله: (يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَقْدِرُ) أي: يضيق، وقوله: (فَقَدَرَ عَلَيْهِ رِزْقَهُ) أي: ضيق عليه رزقه.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (فَنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ) قالوا: في ظلمات ثلاث: ظلمة الليل، وظلمة البحر، وظلمة بطن الحوت.
وقَالَ بَعْضُهُمْ: التقم الحوت حوت آخر، فكان في بطن حوت، وحوت آخر، وظلمة البحر، فقال: (لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ) وحد ربه ونزهه عن جميع ما قيل فيه، ثم اعترف بذلته وذنبه فقال: (إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ) فسمع اللَّه دعاءه، وقبل توبته، وأخبر أنه كشف عنه الغم الذي كان له حيث قال: (فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْغَمِّ (٨٨) وأخبر أنه كذلك ينجي المؤمنين، فيرجى أن من ابتلاه اللَّه بالبلاء والشدة فدعا بما دعا به يونوإن يفرجه اللَّه عنه، حيث قال: (وَكَذَلِكَ نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ)؛ وعلى ذلك روي عن رسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - أنه قال: " مَنْ دَعَا بدَعْوةِ ذِي النونِ اسْتُجِيبَ له ".
ثم قَالَ بَعْضُهُمْ: الْتَقَنَ ذلك من الأرض لما بلغ إلى قرار الأرض فقال ذلك.
وقَالَ بَعْضُهُمْ: كان رجلا صالحا عابدا وكان عود نفسه ذلك قبل أن يدخل بطن الحوت، فلما دخل فيه فكان يقول فيه على ما كان يقول من قبل، وهو كقوله: (فَلَوْلَا أَنَّهُ