تقدم، ثم تتلاشى وتفنى حتى لا يبقى منها شيء، كما ذكر (هَبَاءً مَنْثُورًا)؛ فعلى ذلك السماوات والأرضون يختلف عليها الأحوال على ما ذكر، ثم آخرها التبديل كما ذكر (يَوْمَ تُبَدَّلُ الْأَرْضُ غَيْرَ الْأَرْضِ وَالسَّمَاوَاتُ)، فيما ذكر في هَؤُلَاءِ الآيات من تغيير الجبال والسماوات والأرضين دليل فناء هذا العالم بجملته وأسره؛ لأن فناء السماوات والأرض والجبال يبعد عن أوهام الخلق، وأمَّا غيرها من الخلائق فإنهم يشاهدون فناءه، فذكر فناء ما يبعد في أوهامهم، ليعلموا أن هذا العالم يفنى بأسره، ويستبدل عالمًا آخر، يحتمل البقاء للجزاء، واللَّه أعلم.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (كَمَا بَدَأْنَا أَوَّلَ خَلْقٍ نُعِيدُهُ).
هذا أيضًا لا يحتمل إلا على تقدم ذكر، فهو محتمل ما ذكرنا مما سبق من ذكر أهل الجنة وأهل النار، فقالوا: كيف يحيون؛ فقال عند ذلك: (كَمَا بَدَأْنَا أَوَّلَ خَلْقٍ نُعِيدُهُ) ثم اختلف فيه:
فقَالَ بَعْضُهُمْ: نطفا، ثم علقًا، ثم مضغا، ثم عظامًا، ثم لحمًا، ثم ينفخ فيهم الروح.
وقَالَ بَعْضُهُمْ: (كَمَا بَدَأْنَا أَوَّلَ خَلْقٍ نُعِيدُهُ) حفاة عراة على ما خلقوا في الابتداء.
وقَالَ بَعْضُهُمْ: (كَمَا بَدَأْنَا أَوَّلَ خَلْقٍ نُعِيدُهُ) يعني: السماوات السبع يطويها الله فيجعلها سماء واحدة كما كانت أولا قبل أن يخلق فيها ست سماوات، والأرضين كذلك.
وجائز أن يكون ذكر هذا إخبارًا أنه قادر على أن يعيدهم كما قدر على ابتداء خلقهم.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (وَعْدًا عَلَيْنَا إِنَّا كُنَّا فَاعِلِينَ) أي: بعثهم (وَعْدًا عَلَيْنَا) لا يختلف ذلك على ما قال: (إِنَّ اللَّهَ لَا يُخْلِفُ الْمِيعَادَ)، ثم اختلف في السجل، وفي قراءته:
قَالَ بَعْضُهُمْ: السجل: اسم رجل، وهو كاتب رسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ -.
وقَالَ بَعْضُهُمْ: هو اسم الملك الذي يكتب.
وقَالَ بَعْضُهُمْ: السجل: الصحيفة.


الصفحة التالية
Icon