ثم قَالَ بَعْضُهُمْ: من قرأ (السِّجِلِّ) بالتشديد فهو الصحيفة، ومن قرأ (السِّجْل) بالتخفيف: هو ملك موكل بالصحف، اسمه: السجل، ويقرأ الكتاب.
قال أَبُو عَوْسَجَةَ: (كَطَيِّ السِّجِلِّ لِلْكُتُبِ) قال: يقال: أسجلت وسجلت، أي: كتبت، إسجالا وتسجيلا، وسجلت أيضًا: عملت، وسجل: خلق، يقال منه: سجل يسجل سجلا، والمساجلة: المفاخرة، ويقال: ساجلته: فاخرته، ويقال: أسجلت الكلام فهو مسجل، أي: أطلقته وأرسلته، واللَّه أعلم.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ (١٠٥)
قَالَ بَعْضُهُمْ: إن كل كتب اللَّه التي أنزلها هي زبور.
(مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ) أي: الكتاب الذي عند اللَّه وهو اللوح المحفوظ، معناه - والله أعلم - على هذا التأويل: كتبنا في الكتب التي أنزلناها بعد ما كان مكتوبًا في اللوح المحفوظ (أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُهَا...) كذا.
وقَالَ بَعْضُهُمْ: كتب اللَّه في الزبور المعروف، وهو زبور داود بعد ما كتب (مِن بَعْدِ الذِّكرِ) أي: التوراة (أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُهَا) يعني: الجنة (يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ) وكتب ذلك في هذا القرآن فقال: (إِنَّ فِي هَذَا لَبَلَاغًا لِقَوْمٍ عَابِدِينَ).
وقَالَ بَعْضُهُمْ: (وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ)، أي: زبور داود بعد ما كتب في الذي الذي عنده.
وجائز أن يكون قوله: (كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ): في بعض كتاب، أي: في بعض السور: (مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ)، أي: من بعد السورة (أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُهَا) كذا.
وجائز أيضًا: (كَتَبْنَا) في كتاب (مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ)، أي: من بعد ما ذكرهم ووعظهم (أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُهَا) كذا.
ثم اختلفوا في قوله: (أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ):
قال عامة أهل التأويل: هي الجنة؛ أخبر أن الجنة إنما يرثها عبادي الصالحون، وهو ما ذكر في آية أخرى: (أُولَئِكَ هُمُ الْوَارِثُونَ (١٠) الَّذِينَ يَرِثُونَ الْفِرْدَوْسَ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ)


الصفحة التالية
Icon