تَرونَهَا تَذْهَلُ (٢) أي: تشغل كل مرضعة؛ لشدة أهوالها وأفزاعها (وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا) هذا على قول من يقول: إن زلزلة الساعة قبل الساعة يكون على التحقيق، أي: تذهل عما أرضعت، وتضع حملها؛ لأنها تكون في ذلك الوقت مرضعًا وحاملا؛ فتذهل - لأهوال ذلك وأفزاعه - عن ولدها، وتضع ما في بطنها، كقوله: (يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ...) الآية، فذكر هَؤُلَاءِ؛ لأن من أصاب شيئًا من البلاء في هذه الدنيا يفزع إلى هَؤُلَاءِ، فيخبر أن في ذلك اليوم يفر بعض من بعض لشدة ذلك اليوم وهوله؛ لشغله بنفسه.
وعلى قول من يقول: إن زلزلة الساعة هي الساعة؛ فيخرج قوله: (تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ...) الآية على التمثيل، أي: تذهل عما أرضعت أن لو كانت مرضعة، وتضع حملها أن لو كانت حاملا؛ لشدته وهوله. واللَّه أعلم.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى وَمَا هُمْ بِسُكَارَى) أي: من مكن له وقوي يرى الناس كأنهم سكارى وما هم بسكارى، وإلا لم يجز أن يراهم سكارى وليسوا هم بسكارى في الحقيقة.
وإنما قلنا: إنه يرى من مكن له وقوي، وإلا لو كانوا كلهم سكارى، لكان لا يراهم سكارى؛ لأن السكران لا يرى من كان في مثل حاله سكران.
أو أن يكون خاطب به رسوله، ولا يكون فيه ذلك الهول الذي يكون في غيره.
أو أن يكون ذلك على التمثيل، ليس على التحقيق.
وقول أهل التأويل: يقول لآدم في ذلك: " قم فابعث بعث النار "، فيقول: يا رب كم؟ فيقول: " من كل ألف تسعمائة وتسعة وتسعين في النار، وواحد في الجنة "، ويروون الأخبار في ذلك عن رسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ -، فإنْ ثبت ما روي عنه في ذلك وإلا الكف عن مثله أولى؛ لأنه يحزن حيث يؤمر أن يتولى بعث ولده إلى النار من غير أن كان ما يستوجب هذه العقوبة.
قَالَ الْقُتَبِيُّ: (تَذْهَلُ): أي تسلو عن ولدها وتتركه.
وقال أَبُو عَوْسَجَةَ: (تَذْهَلُ): أي: تنسى، يقال: ذهل يذهل ذهولا، وأذهلته؛ أي: أنسيته.
وقال غيره: أي: تشغل، والحمل بالنصب: ما في البطن، والحمل بالخفض: ما على