فمن قدر على ابتداء إنشاء هذا العالم من التراب أو من النطفة من غير سبب يوجد فيه، ولا وأثر - لقادر على إعادتهم، وإعادة الشيء في عقولكم أهون وأيسر من الابتداء، فمن قدر على الابتداء فهو على الإعادة أقدر.
وقوله: (مُخَلَّقَةٍ وَغَيْرِ مُخَلَّقَةٍ).
قال: (مُخَلَّقَةٍ): أي مخلوقة خلقا، (وَغَيْرِ مُخَلَّقَةٍ): أي غير مخلوقة خلقا، نطفة على حالها.
وقَالَ بَعْضُهُمْ: (مُخَلَّقَةٍ) أي: تامة، (وَغَيْرِ مُخَلَّقَةٍ) أي: غير تامة خلقًا، وهو والأشبه؛ لأن التشديد إنما يذكر لتكثير الفعل، والتخفيف لتقليله، فكأنه قال: (مُخَلَّقَةٍ)، أي: قد أتم خلقها من الجوارح والأعضاء، (وَغَيْرِ مُخَلَّقَةٍ)، أي: غير تامة خلقا. بل ناقصة.
وقوله: (لِنُبَيِّنَ لَكُمْ وَنُقِرُّ فِي الْأَرْحَامِ مَا نَشَاءُ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى...) كأن قوله: (وَنُقِرُّ فِي الْأَرْحَامِ مَا نَشَاءُ) موصولا بقوله: (مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ ثُمَّ مِنْ مُضْغَةٍ مُخَلَّقَةٍ وَغَيْرِ مُخَلَّقَةٍ) (وَنُقِرُّ فِي الْأَرْحَامِ مَا نَشَاءُ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى): من سثة أشهر إلى سنتين، أو ما شاء اللَّه (ثُمَّ نُخْرِجُكُمْ) من الأرحام بعد الإقرار فيها (طِفْلًا) قَالَ بَعْضُهُمْ: ثم نخرج
كلًّا منكم طفلا.
وقَالَ بَعْضُهُمْ: واسم الطفل يجمع ويفرد.
(ثُمَّ لِتَبْلُغُوا أَشُدَّكُمْ) قَالَ بَعْضُهُمْ: الأشد هو ثلاث وثلاثون سنة.
وقَالَ بَعْضُهُمْ: هو من ثماني عثرة سنة إلى ثلاثين سنة، وأصل الأشد: هو من اشتداد كل شيء، وتقوي كل شيء فيه من الجوارح والأعضاء، وكل ما ركب فيه من العقل وغيره، ثم عند ذلك يبين لهم، ويكون قوله: (لِنُبَيِّنَ لَكُمْ) بعد هذا كله إذا بلغوا المبلغ الذي يعرفون تقليبه إياهم من حال إلى حال، على ما ذكر، ثم يحتمل قوله: (لِنُبَيِّنَ لَكُمْ) وجوهًا:
أحدها: يبين قدرته وسلطانه: أن من قدر على تحويلهم من حال التراب إلى حال الإنسانية والبشرية، ومن حال النطفة إلى حال العلقة... ثم إلى آخر ما ذكر لقادر على البعث والإحياء بعد ما صاروا ترابًا.
أو يبين علمه في الظلمات الثلاث التي كان الولد فيها أن كيف قلبه من حال إلى حال