وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ) من أعمالهم، وأفعالهم، وإقرارهم، وأقوالهم، وجميع ما كان منهم.
* * *
قوله تعالى: (أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَسْجُدُ لَهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ وَالنُّجُومُ وَالْجِبَالُ وَالشَّجَرُ وَالدَّوَابُّ وَكَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ وَكَثِيرٌ حَقَّ عَلَيْهِ الْعَذَابُ وَمَنْ يُهِنِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ مُكْرِمٍ إِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ (١٨) هَذَانِ خَصْمَانِ اخْتَصَمُوا فِي رَبِّهِمْ فَالَّذِينَ كَفَرُوا قُطِّعَتْ لَهُمْ ثِيَابٌ مِنْ نَارٍ يُصَبُّ مِنْ فَوْقِ رُءُوسِهِمُ الْحَمِيمُ (١٩) يُصْهَرُ بِهِ مَا فِي بُطُونِهِمْ وَالْجُلُودُ (٢٠) وَلَهُمْ مَقَامِعُ مِنْ حَدِيدٍ (٢١) كُلَّمَا أَرَادُوا أَنْ يَخْرُجُوا مِنْهَا مِنْ غَمٍّ أُعِيدُوا فِيهَا وَذُوقُوا عَذَابَ الْحَرِيقِ (٢٢) إِنَّ اللَّهَ يُدْخِلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ يُحَلَّوْنَ فِيهَا مِنْ أَسَاوِرَ مِنْ ذَهَبٍ وَلُؤْلُؤًا وَلِبَاسُهُمْ فِيهَا حَرِيرٌ (٢٣) وَهُدُوا إِلَى الطَّيِّبِ مِنَ الْقَوْلِ وَهُدُوا إِلَى صِرَاطِ الْحَمِيدِ (٢٤)
وقوله: (أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَسْجُدُ لَهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ) حرف (مَن) في ظاهر اللغة واللسان إنما يعبر به عن الممتحن من البشر والجن والملائكة، وأما الموات فإنه لا يعبر به عنه، وإنَّمَا يعبر عنه بحرف (مَا)، لكن ذكر في آخره - وهو قوله: (وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ وَالنُّجُومُ وَالْجِبَالُ...) الآية - ما يدل أنه أراد الكل: الممتحن، والموات جميعًا، حيث قال: (وَالشَّجَرُ وَالدَّوَابُّ وَكَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ وَكَثِيرٌ حَقَّ عَلَيْهِ الْعَذَابُ) وإلا ظاهره ما ذكرنا: أنه إنما يعبرب (مَن) عن الممتحن، وبحرف (ما) عن الكل.
وجائز أن يكون عند الاجتماع يذكر باسم الممتحن؛ على ما يذكر عند اجتماع الذكر والأنثى باسم الذكور.
ثم ما ذكر من سجود هذه الأشياء يخرج على وجوه:
أحدها: سجود خلقة، يسجد كل شيء ذكر بخلقته لله، على ما ذكرنا في التسبيح.
والثاني: سجود عبادة، وهو سجود كل ممكن من إتيانه، وتركه، وهو سجود الممتحن.
والثالث: سجوده: بذل ما بذل في هذه الأشياء من المنافع لا يتأتى بذلها لأحد من الماء، والشمس، والشجر، والدواب، وكل شيء.
والرابع: ما ألهم هذه الأشياء من الطاعة لله والخضوع له؛ ألا ترى أنه قال: (ائْتِيَا طَوْعًا أَوْ كَرْهًا قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ)، ألا ترى أنه ألهم الدواب معرفة إتيان الصالح لهم واتقاء المهالك؛ فجائز أن يعرفن طاعته والخضوع له، واللَّه أعلم.