وجائز أن يكون ما ذكرنا من التغليظ والتشديد وتضاعف العقوبة؛ ولذلك كره قوم الجوار بمكة لما يتضاعف عليهم العقوبة إذا ارتكب فيه مأثمًا وألحد فيه، وجائز ما ذكرنا.
وقد كره قوم بيع رباع مكة وإجارتها بقوله: (سَوَاءً الْعَاكِفُ فِيهِ وَالْبَادِ)، وعلى ذلك رويت الأخبار بالنهي عن ذلك، روي عن رسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - قال: " مكة مناخ، لا يباع رباعها، ولا يؤاجر بيوتها ".
وعن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: " يا أهل مكة، لا تتخذوا لدوركم أبوابًا؛ ليرد البادي حيث شاء " ونهاهم أن يغلقوا أبواب دورهم.
وليس في ظاهر الآية ذكر مكة؛ إن في الآية ذكر المسجد، حيث قال: (وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ الَّذِي جَعَلْنَاهُ لِلنَّاسِ سَوَاءً الْعَاكِفُ فِيهِ وَالْبَادِ)، وإنما ذكر ذلك في المسجد الحرام خاصة.
وقال أبو حنيفة - رحمه اللَّه -: أكره إجارة بيوت مكة في الموسم من الحاج والمعتمر، فأما المقيم والمجاور فلا نرى بأخذ ذلك منهم بأسًا. وهو قول مُحَمَّد.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (وَإِذْ بَوَّأْنَا لِإِبْرَاهِيمَ مَكَانَ الْبَيْتِ أَنْ لَا تُشْرِكْ بِي شَيْئًا وَطَهِّرْ بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْقَائِمِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ (٢٦) قَالَ بَعْضُهُمْ: (بَوَّأْنَا)، أي: هيأنا (مَكَانَ الْبَيْتِ)؛ لينزل فيه، والبيتوتة: الإنزال، كأنه قال: (وَإِذْ بَوَّأْنَا لِإِبْرَاهِيمَ مَكَانَ الْبَيْتِ)، أي: أنزلناه مكان البيت؛ ليتخذ فيه بيتًا، وقلنا له: لا تشرك بي شيئًا، وهكذا بعث الأنبياء جميعًا، بعثوا ألا يشركوا باللَّه، وأمروا أن يدعو الناس إلى ترك الإشراك باللَّه تعالى.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (وَطَهِّرْ بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ) وادع الناس أيضًا إلى ألا يشركوا بالله شيئًا.
ثم يحتمل قوله: (وَطَهِّرْ بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ) ومن ذكر، أي: طهره من الأصنام والأوثان التي فيه لئلا يعبد غيره.
وجائز أن يكون قوله: (وَطَهِّرْ بَيْتِيَ) عن جميع الخبائث، وعن كل أنوع الأذى من الخصومات، والبياعات، وغيرها، وذلك للمسجد الحرام ولغيره من المساجد يطهر ويجنب جميع أنواع الأذى والخبث والفحش.


الصفحة التالية
Icon