وقَالَ بَعْضُهُمْ: ما يقع لهم الحاجة والكفاية.
وجائز أن يكون قوله: (بِقَدَرٍ)، أي: معلوم مقدر، لا يتقدم ولا يتأخر، ولا يزداد ولا ينتقص، ولكن على ما قدر، وكذلك جميع الأشياء.
وقوله: (فأسكناه في الأرض).
يذكر هذا ويخبر عن قدرته وسلطانه: أن من قدر على استنزال الماء من السماء يقدر على البعث وعلى خلق الشيء لا من شيء؛ إذ لا أحد من الخلائق يقدر على ذلك إلا بالحيل التي علمه اللَّه.
أو أن يكون يقول: إنه حيث جعل منافع الأرض متصلة بمنافع السماء، ومنافع السماء متصلة بمنافع الأرض؛ على بعد ما بينهما، دل اتصال منافع أحدهما بالآخر، أمع، بعد ما بينهما على أن منشئهما واحد، ومدبّرهما واحد عالم بذاته.
وقوله: (وَإِنَّا عَلَى ذَهَابٍ بِهِ لَقَادِرُونَ).
كقوله: (أَوْ يُصْبِحَ مَاؤُهَا غَوْرًا...) الآية.
وقوله: (فَأَنْشَأْنَا لَكُمْ بِهِ.. (١٩)
أي: بالماء.
(جَنَّاتٍ مِنْ نَخِيلٍ وَأَعْنَابٍ).
أي: الكروم؛ يذكر نعمة اللَّه التي أنعمها عليهم من الماء الذي به حياة الأبدان والأشياء جميعًا؛ ليتادى به شكره وعبادته.
وقوله: (فَأَنْشَأْنَا لَكُمْ بِهِ جَنَّاتٍ مِنْ نَخِيلٍ وَأَعْنَابٍ لَكُمْ فِيهَا فَوَاكِهُ كَثِيرَةٌ).
إن كان قوله: (لَكُمْ فِيهَا)، أي: في الجنات؛ حيث ذكر أنه أنشأ لنا فواكه كثيرة؛ ففيه حجة لأبي حنيفة - رحمه اللَّه - أن من حلف ألا يأكل فاكهة، فأكل عنبا - لم يحنث؛ حيث ذكر النخيل والأعناب، وذكر فيها الفواكه على حدة.
وإن كان يعني به النخيل والأعناب، فليس فيه حجة له.
وقوله: (وَشَجَرَةً تَخْرُجُ مِنْ طُورِ سَيْنَاءَ تَنْبُتُ بِالدُّهْنِ وَصِبْغٍ لِلْآكِلِينَ (٢٠)
أي: أنشأنا لكم -أيضًا- شجرة في طور سيناء، ثم الشجرة التي تكون في الجبال لا صنع للخلق في إنباتها، وما يكون في الجنان والبساتين إنما يكون بإنبات الخلق، ثم أضاف كليهما: ما يكون للخلق فيه صنع وما لا يكون؛ دل إضافة ذلك إليه كله على أن لله في فعل العباد صنعا، وأن جميع ما يكون إنما يكون بصنع منه ولطف، ويذكرهم نعمه التي أنعمها عليهم: من إنشاء الجنان لهم، والنخيل والأعناب والفواكه التي ذكر ليتأدى