بينهم، والشدة على الكفار بقوله: (وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ) ثم نهاهم أن تأخذهم رأفة على الزانيين وقت إقامة الحد عليهم؛ دل أن الزاني قد خرج بفعله من الإيمان؛ لما ذكرنا من رفع الرأفة والرحمة عنهما.
لكن عندنا في الآية دلالة أنه ليس على ما ذهبوا إليه؛ لأن الزاني لو كان يخرج من الإيمان بفعل الزنا لكان لا يحتاج إلى أن يقول: (وَلَا تَأْخُذْكُمْ بِهِمَا رَأْفَةٌ)؛ لأنهم كانوا على ما وصفهم اللَّه بالشدة على غير المؤمنين بقوله: (أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ)، دل أن الزنا لم يخرجه عن الإيمان؛ فنهى ألا تأخذ بهما رأفة الأيمان والدِّين في تعطيل الحد أو تخفيفه.
أو أن يكون النهي عن أخذ الرأفة؛ ليتحمل ذلك الحد، وإلا: لم ينتفع به في الآخرة، وهو ألا يعذب به؛ ألا ترى أنه قال: (إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ)، وفائدته ما ذكرنا: أنه لا تأخذكم بهما رأفة في إضاعة الحد؛ لما يتأمل من النفع في الآخرة، نحو: من يشرب الأدوية الكريهة، ويفتصد، ويحتجم؛ لما يطمع البرء به والنفع؛ فعلى ذلك جائز أن يكون النهي عن أخذ الرأفة في حد الزاني؛ ليقام ذلك عليه؛ فينجو في الآخرة عن عذابه، واللَّه أعلم.
وقوله: (وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَائِفَةٌ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ).
وقَالَ بَعْضُهُمْ: الطائفة: واحد واثنان فصاعدًا، وكذلك قالوا في قوله: (وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا)، هما رجلان اقتتلا؛ دل على ذلك قوله: (فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ)، وهما اثنان في الظاهر، لكن أن ينضم إلى كل واحد منهما جماعة من عشيرته؛ فيكون الطائفة جماعة لا واحدًا.
وقَالَ بَعْضُهُمْ الطائفة: جماعة من العشيرة فصاعدًا.
ثم يجب أن ينظر لأي معنى أمر أن يشهد عذابهما طائفة من بين سائر الإجرام؛ فهو - واللَّه أعلم - يحتمل وجوهًا:
أحدها: المحنة، أراد أن يمتحن من حضر ذلك، أو المرء قد يتألم على ضرب آخر، وما يحل لغيره؛ لينزجر عن مثله.
والثاني: لانتشار الخبر في الناس؛ لينزجروا عن مثله.
والثالث: لئلا يتعدى الضارب - والمقيم - ذلك الحد ويجاوزه على الحد الذي جعل له؛ فإن هو تعدى منعه من حضره عن المجاوزة والتعدي.


الصفحة التالية
Icon