والمحدود في القذف ليسوا من أهل الشهادة، فإذا كانوا من أهل الشهادة - وإن لم تقبل شهادتهم في غيره - فأوجب ذلك الشبهة، والحدود مما يدرأ بالشبهات؛ لذلك درئ عنه الحد، وأما الكافر والعبد والمحدود في قذف فإن لم يكونوا من أهل الشهادة - لم يجب شبهة في درء الحد عنه؛ لذلك افترقا.
ثم المسألة إذا جاء الشهود متفرقين حُدُّوا، ولم تقبل شهادتهم، والقياس عندنا ألا يحدُّوا؛ لأنهم إنما يقومون في الشهادة محتسبين لا يقصدون به قذفه ولا شتمه، وأما الرامي فإنه يقصد قصد شتمه وقذفه، ولأن الشاهد يقول: رأيته فعل كذا، والرامي يقول: أنت كذا؛ فكان كمن يقول الآخر: رأيته كفر، لم يضرب بهذا القول، ولو قال: يا كافر، ضرب؛ لأن هذا خرج مخرج الشتم، والأول لا؛ فعلى ذلك الأول، لكنهم أقاموا الحد على الشهود إذا جاءوا متفرقين؛ لأن اللَّه أكد الشهادة بالزنا بأمرين:
أحدهما: ألا يقبل فيها أقل من أربعة، وألا يقبل حتى يقولوا: زنى بها، فيأتون هذه اللفظة ويصفوا بأكثر مما يوصف غيره من النكاح وغيره؛ فالشهادة بالزنا أحوج إلى اجتماع الشهود في موطن واحد من اجتماع الشهود على النكاح، ومن قولهم: إن النكاح إذا عقد بشاهدين متفرقين لم يكن نكاحًا؛ فالزنا الذي كان أمره أوكد والحاجة إليه أحوج وأكثر أحق ألا يقبل.
والثاني: ما جاء عن عمر أن ثلاثة شهدوا على رجل بالزنا وفيهم أبو بكرة، فجلدهم عمر جميعًا؛ لما لم يشهد الرابع كما شهدوا هم، وكان ذلك بحضرة أصحاب النبي فلم ينكر ذلك عليه أحد؛ فكان - لك إجماعًا؛ ألا ترى أن أبا بكرة قال بعد ذلك: أنا أشهد؛ فهمَّ عمر أن يجلده؛ فقال له علي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: إن جلدت هذا فارجم صاحبك، فلم ينكر عليه على جلده إياهم إذا لم يتم أربعة؛ إنما أنكر إذا تم، واللَّه أعلم؛ لذلك قلنا: إنهم إذا جاءوا فرادى متفرقين صاروا قذفة ولا ينتظر به حضور من بقي منهم؛ كما لم ينتظر عمر.
ثم مسألة أخرى: أنه إذا جاء أربعة وأحدهم زوج قبل عندنا ودرئ عنه الحد؛ لما روي عن ابن عَبَّاسٍ - رضي اللَّه عنهما - وغيره من السلف، ولأن الشهادة عليها وشهادة الزوج على امرأته تقبل، وإنما ترد إذا شهد لها؛ ألا ترى أنه لو شهد عليها في الديون والقصاص