أُولَئِكَ القذفة، يقول: ألا ظن بعضهم ببعض خيرا، وهلا قالوا: (هَذَا إِفْكٌ مُبِينٌ)، يقول اللَّه: هلا قالوا: القذف كذب مبين، وعلى هذا يخرج -أيضًا- قوله: (لَوْلَا جَاءُوا عَلَيْهِ بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ)، أي: هلا قالوا لهم: جيئوا بأربعة شهداء على قذفكم إياهم؛ (فَإِذْ لَمْ يَأْتُوا بِالشُّهَدَاءِ فَأُولَئِكَ عِنْدَ اللَّهِ هُمُ الْكَاذِبُونَ).
ويحتمل أن يكون قوله: لولا إذ سمعتموه ظننتم بهم ظنا: ما يظن المؤمنون والمؤمنات بأنفسهم خيرا دون أن قالوا: إفك مبين.
أو أن يكون التأويل: إن لم يظن أحد منكم بنفسه إذا كان مع أزواج رسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - ذلك فكيف ظن بصفوان ذلك إذا كان هو مع أزواجه؟!
أو أن يقال: إذا لم يكن يظن أحد منكم بأمهاته ومحارمه ذلك، فكيف ظن بأزواج رسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - وهن أمهاتكم وأمهات جميع المؤمنين؟! واللَّه أعلم.
وقوله: (لَوْلَا جَاءُوا عَلَيْهِ بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَإِذْ لَمْ يَأْتُوا بِالشُّهَدَاءِ فَأُولَئِكَ عِنْدَ اللَّهِ هُمُ الْكَاذِبُونَ (١٣)
أي: لم يكن لهم بما قذفوا شهداء، ولا يجدون على ذلك شهداء.
وجائز أن يكون قوله: (لَوْلَا)، أي: لم يكن؛ كقوله: (فَلَوْلَا كَانَ مِنَ الْقُرُونِ مِنْ قَبْلِكُمْ أُولُو بَقِيَّةٍ)، أي: لم يكن من القرون من قبلكم أولو بقية (يَنْهَوْنَ عَنِ الْفَسَادِ فِي الْأَرْضِ إِلَّا قَلِيلًا). وإلا على تأويل (هَلا) يبعد؛ لأنه لم يكن لهم شهداء على ذلك؛ فكيف يأتون؟!
وقوله: (فَإِذْ لَمْ يَأْتُوا بِالشُّهَدَاءِ فَأُولَئِكَ عِنْدَ اللَّهِ هُمُ الْكَاذِبُونَ).
وإن أتوا بالشهداء على أمر عائشة كانوا كاذبين أيضا؛ فدل أن تأويل قوله: (لَوْلَا جَاءُوا عَلَيْهِ بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ)، أي: لم يكن شهداء؛ فكيف قذفوها؟! واللَّه أعلم.
وقوله: (وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ لَمَسَّكُمْ فِي مَا أَفَضْتُمْ فِيهِ عَذَابٌ عَظِيمٌ (١٤)
هذا يحتمل وجهين:
أحدهما: (وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ): حيث أنزل في قذفكم عائشة بصفوان آيات في براءتهما حتى تبتم عن ذلك، وإلا لمسّكم العذاب في الآخرة بذلك.
والثاني: (وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ) لمسكم العذاب، ولعاقبكم بما قلتم في عائشة في الدنيا؛ على هذا التأويل: العذاب الموعود: في الدنيا، وعلى التأويل الأول: الوعيد في الآخرة، لكن بفضله ورحمته دفع عنكم، واللَّه أعلم.


الصفحة التالية
Icon